الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله عز ذكره : ( الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وويل للكافرين من عذاب شديد ( 2 ) )

قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك .

فقرأته عامة قرأة المدينة والشأم : " الله الذي له ما في السماوات " برفع اسم [ ص: 513 ] "الله" على الابتداء ، وتصيير قوله : ( الذي له ما في السماوات ) ، خبره .

وقرأته عامة قرأة أهل العراق والكوفة والبصرة : ( الله الذي ) بخفض اسم الله على إتباع ذلك ( العزيز الحميد ) ، وهما خفض .

وقد اختلف أهل العربية في تأويله إذ قرئ كذلك .

فذكر عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقرؤه بالخفض . ويقول : معناه : بإذن ربهم إلى صراط [ الله ] العزيز الحميد الذي له ما في السماوات . ويقول : هو من المؤخر الذي معناه التقديم ، ويمثله بقول القائل : "مررت بالظريف عبد الله" والكلام الذي يوضع مكان الاسم النعت ، ثم يجعل الاسم مكان النعت ، فيتبع إعرابه إعراب النعت الذي وضع موضع الاسم ، كما قال بعض الشعراء :


لو كنت ذا نبل وذا شزيب ما خفت شدات الخبيث الذيب



وأما الكسائي فإنه كان يقول فيما ذكر عنه : من خفض أراد أن يجعله كلاما واحدا ، وأتبع الخفض الخفض ، وبالخفض كان يقرأ .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي ، أنهما قراءتان مشهورتان ، قد قرأ بكل واحدة منهما أئمة من القراء ، معناهما واحد ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .

[ ص: 514 ] وقد يجوز أن يكون الذي قرأه بالرفع أراد معنى من خفض في إتباع الكلام بعضه بعضا ، ولكنه رفع لانفصاله من الآية التي قبله ، كما قال جل ثناؤه : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ) إلى آخر الآية ثم قال : ( التائبون العابدون ) [ سورة التوبة : 111 ، 112 ] .

ومعنى قوله : ( الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ) الله الذي يملك جميع ما في السماوات وما في الأرض .

يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : أنزلنا إليك هذا الكتاب لتدعو عبادي إلى عبادة من هذه صفته ، ويدعوا عبادة من لا يملك لهم ولا لنفسه ضرا ولا نفعا من الآلهة والأوثان . ثم توعد جل ثناؤه من كفر به ، ولم يستجب لدعاء رسوله إلى ما دعاه إليه من إخلاص التوحيد له فقال : ( وويل للكافرين من عذاب شديد ) يقول : الوادي الذي يسيل من صديد أهل جهنم ، لمن جحد وحدانيته ، وعبد معه غيره ، من عذاب الله الشديد .

التالي السابق


الخدمات العلمية