الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله عز ذكره : ( الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد ( 3 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : ( الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ) ، الذين يختارون الحياة الدنيا ومتاعها ومعاصي الله فيها ، على طاعة الله [ ص: 515 ] وما يقربهم إلى رضاه من الأعمال النافعة في الآخرة ( ويصدون عن سبيل الله ) ، يقول : ويمنعون من أراد الإيمان بالله واتباع رسوله على ما جاء به من عند الله ، من الإيمان به واتباعه ( ويبغونها عوجا ) يقول : ويلتمسون سبيل الله وهي دينه الذي ابتعث به رسوله ( عوجا ) : تحريفا وتبديلا بالكذب والزور .

"والعوج" بكسر العين وفتح الواو ، في الدين والأرض وكل ما لم يكن قائما ، فأما في كل ما كان قائما ، كالحائط والرمح والسن ، فإنه يقال بفتح العين والواو جميعا "عوج" .

يقول الله عز ذكره : ( أولئك في ضلال بعيد ) يعني هؤلاء الكافرين الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة . يقول : هم في ذهاب عن الحق بعيد ، وأخذ على غير هدى ، وجور عن قصد السبيل .

وقد اختلف أهل العربية في وجه دخول "على" في قوله : ( على الآخرة ) ، فكان بعض نحويي البصرة يقول : أوصل الفعل ب "على" كما قيل : "ضربوه في السيف" يريد بالسيف ، وذلك أن هذه الحروف يوصل بها كلها وتحذف ، [ ص: 516 ] نحو قول العرب : "نزلت زيدا" و "مررت زيدا" يريدون : مررت به ، ونزلت عليه .

وقال بعضهم : إنما أدخل ذلك؛ لأن الفعل يؤدي عن معناه من الأفعال ، ففي قوله : ( يستحبون الحياة الدنيا ) معناه يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة ، ولذلك أدخلت "على" .

وقد بينت هذا ونظائره في غير موضع من الكتاب ، بما أغنى عن الإعادة .

التالي السابق


الخدمات العلمية