الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وعادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا ؛ [ ص: 5281 ] وعادا ؛ معطوفة على " قوم نوح " ؛ وعاد هم قوم هود؛ الذين كفروا؛ فأنزل الله بهم عذابه في الدنيا بريح فيه عذاب شديد؛ كما قال (تعالى): فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم

                                                          وثمود هم قوم صالح؛ أهلكوا بريح صرصر عاتية.

                                                          وأما أصحاب الرس؛ فقد اختلفت الروايات عن السلف في تفسيرها؛ أو من هم؛ وأصل " الرس " ؛ كما قال الأصفهاني؛ في مفرداته: الأثر القليل الموجود في الشيء؛ يقال: " سمعت رسا من خبر " ؛ و " رس الحديث في نفسي " ؛ أي: أثره؛ وروي أن الرس اسم لبئر؛ وهكذا وردت روايات كثيرة عن أصحاب الرس؛ وأحسن ما روي في ذلك روايتان؛ هما أن أصحاب الرس وأصحاب الأيكة هم قوم شعيب الذين دعاهم إلى التوحيد؛ ومبادئ الأخلاق؛ وتنظيم المعاملة والعدالة في الكيل والميزان؛ والثانية ما رواه ابن جرير واختاره؛ وهم أصحاب الأخدود؛ الذين هلكوا بإلقائهم في أخاديد ألقيت فيها النيران؛ وأصحاب الأخدود الذين هلكوا هم الذين فعلوا بالمؤمنين ذلك؛ كما جاء في سورة " البروج " ؛ في قوله: والسماء ذات البروج واليوم الموعود وشاهد ومشهود قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد

                                                          وإن هؤلاء قد بلغوا أقصى غايات القسوة في معاملة المؤمنين؛ وقد أخذهم الله (تعالى) أخذ عزيز مقتدر؛ وذكرهم في هذه المناسبة لبيان عتوهم؛ وأنهم قد انتقم منهم؛ كما انتقم من فرعون؛ وكما ينتقم من كل المشركين؛ وإنا نميل إلى الرواية الأولى؛ وهي أنهم قوم شعيب; لأن سنة القرآن الكريم في قصصه أن يعرض قصة شعيب بعد عاد وثمود؛ فبمقتضى هذا المنهاج القويم نميل إلى أنه - سبحانه وتعالى - أشار إلى قصة شعيب بهذه الإشارة. [ ص: 5282 ] الإشارة في قوله (تعالى): وقرونا بين ذلك ؛ إلى الزمن الذي كان بين نوح وعاد وثمود وأصحاب الرس؛ و " القرن " ؛ هو الجيل من الناس؛ أي أن أجيالا بين هؤلاء الأنبياء كثيرا كانت فيها العبر؛ ولكن قل المعتبر؛ و " كثيرا " ؛ وصف لمحذوف؛ تقديره: " عددا " ؛ أو وصف لـ " قرونا " ؛ نفسها.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية