الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله عز ذكره : ( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ( 5 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ولقد أرسلنا موسى بأدلتنا وحججنا من قبلك يا محمد ، كما أرسلناك إلى قومك بمثلها من الأدلة والحجج ، كما :

20561 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ح وحدثني الحارث قال : حدثنا الحسن الأشيب ، قال : حدثنا ورقاء ، عن أبي نجيح ، عن مجاهد ح وحدثنا الحسن بن محمد قال : [ ص: 518 ] حدثنا شبابة قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : ( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ) قال : بالبينات .

20562 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ) قال : التسع الآيات ، الطوفان وما معه .

20563 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : ( أرسلنا موسى بآياتنا ) قال : التسع البينات .

20564 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

وقوله : ( أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور ) ، كما أنزلنا إليك ، يا محمد ، هذا الكتاب لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم . ويعني بقوله : ( أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور ) ، أن ادعهم ، من الضلالة إلى الهدى ، ومن الكفر إلى الإيمان ، كما : -

20565 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور ) يقول : من الضلالة إلى الهدى .

20566 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا هشام ، عن عمرو ، عن سعيد ، عن قتادة ، مثله .

[ ص: 519 ] وقوله : ( وذكرهم بأيام الله ) يقول عز وجل : وعظهم بما سلف من نعمي عليهم في الأيام التي خلت فاجتزئ بذكر "الأيام" من ذكر النعم التي عناها؛ لأنها أيام كانت معلومة عندهم ، أنعم الله عليهم فيها نعما جليلة ، أنقذهم فيها من آل فرعون بعد ما كانوا فيما كانوا [ فيه ] من العذاب المهين ، وغرق عدوهم فرعون وقومه ، وأورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم .

وكان بعض أهل العربية يقول : معناه : خوفهم بما نزل بعاد وثمود وأشباههم من العذاب ، وبالعفو عن الآخرين . قال : وهو في المعنى كقولك : "خذهم بالشدة واللين" .

وقال آخرون منهم : قد وجدنا لتسمية النعم بالأيام شاهدا في كلامهم . ثم استشهد لذلك بقول عمرو بن كلثوم :


وأيام لنا غر طوال عصينا الملك فيها أن ندينا

وقال : فقد يكون إنما جعلها غرا طوالا لإنعامهم على الناس فيها . وقال : فهذا شاهد لمن قال : ( وذكرهم بأيام الله ) بنعم الله . ثم قال : وقد يكون تسميتها غرا ، لعلوهم على الملك وامتناعهم منه ، فأيامهم غر لهم ، وطوال على أعدائهم .

[ ص: 520 ] قال أبو جعفر : وليس للذي قال هذا القول ، من أن في هذا البيت دليلا على أن "الأيام" معناها النعم ، وجه . لأن عمرو بن كلثوم إنما وصف ما وصف من الأيام بأنها "غر" لعز عشيرته فيها ، وامتناعهم على الملك من الإذعان له بالطاعة ، وذلك كقول الناس : "ما كان لفلان قط يوم أبيض" يعنون بذلك أنه لم يكن له يوم مذكور بخير . وأما وصفه إياها بالطول ، فإنها لا توصف بالطول إلا في حال شدة ، كما قال النابغة :

كليني لهم يا أميمة ناصب     وليل أقاسيه بطيء الكواكب


فإنما وصفها عمرو بالطول ، لشدة مكروهها على أعداء قومه . ولا وجه لذلك غير ما قلت .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

20567 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال : حدثنا فضيل بن عياض ، عن ليث ، عن مجاهد : ( وذكرهم بأيام الله ) ، قال : بأنعم الله .

20568 - حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن عبيد المكتب ، عن مجاهد : ( وذكرهم بأيام الله ) ، قال : بنعم الله .

20569 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا [ ص: 521 ] سفيان ، عن عبيد المكتب ، عن مجاهد ، مثله .

20570 - حدثنا أحمد قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا عبثر ، عن حصين ، عن مجاهد ، مثله .

20571 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ح وحدثني الحارث قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( بأيام الله ) قال : بنعم الله .

20572 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

20573 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

20574 - حدثني المثنى قال : أخبرنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( وذكرهم بأيام الله ) قال : بالنعم التي أنعم بها عليهم ، أنجاهم من آل فرعون ، وفلق لهم البحر ، وظلل عليهم الغمام ، وأنزل عليهم المن والسلوى .

20575 - حدثنا أحمد قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا حبيب بن حسان ، عن سعيد بن جبير : ( وذكرهم بأيام الله ) قال : بنعم الله .

20576 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( وذكرهم بأيام الله ) يقول : ذكرهم بنعم الله عليهم .

20577 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن [ ص: 522 ] معمر ، عن قتادة : ( وذكرهم بأيام الله ) قال : بنعم الله .

20578 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قول الله : ( وذكرهم بأيام الله ) قال : أيامه التي انتقم فيها من أهل معاصيه من الأمم خوفهم بها ، وحذرهم إياها ، وذكرهم أن يصيبهم ما أصاب الذين من قبلهم .

20579 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا محمد بن أبان ، عن أبي إسحاق ، عن سعد بن جبير ، عن ابن عباس . عن أبي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( وذكرهم بأيام الله ) ، قال : نعم الله .

[ ص: 523 ] 20580 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن عبيد الله أو غيره ، عن مجاهد : ( وذكرهم بأيام الله ) قال : بنعم الله .

( إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ) ، يقول : إن في الأيام التي سلفت بنعمي عليهم يعني على قوم موسى ( لآيات ) ، يعني : لعبرا ومواعظ ( لكل صبار شكور ) ، : يقول : لكل ذي صبر على طاعة الله ، وشكر له على ما أنعم عليه من نعمه .

20581 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا هشام ، عن عمرو ، عن سعيد ، عن قتادة ، في قول الله عز وجل : ( إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ) قال : نعم العبد عبد إذا ابتلي صبر ، وإذا أعطي شكر .

التالي السابق


الخدمات العلمية