الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ( 6 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واذكر ، يا محمد ، إذ قال موسى بن عمران لقومه من بني إسرائيل : ( اذكروا نعمة الله عليكم ) ، التي أنعم بها عليكم ( إذ أنجاكم من آل فرعون ) ، يقول : حين أنجاكم من أهل دين فرعون وطاعته ( يسومونكم سوء العذاب ) ، أي يذيقونكم [ ص: 524 ] شديد العذاب ( ويذبحون أبناءكم ) ، مع إذاقتهم إياكم شديد العذاب [ يذبحون ] أبناءكم .

وأدخلت الواو في هذا الموضع؛ لأنه أريد بقوله : ( ويذبحون أبناءكم ) ، الخبر عن أن آل فرعون كانوا يعذبون بني إسرائيل بأنواع من العذاب غير التذبيح وبالتذبيح . وأما في موضع آخر من القرآن ، فإنه جاء بغير الواو : ( يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ) [ سورة البقرة : 49 ] في موضع ، وفي موضع ( يقتلون أبناءكم ) [ سورة الأعراف : 141 ] ، ولم تدخل الواو في المواضع التي لم تدخل فيها لأنه أريد بقوله : ( يذبحون ) ، وبقوله : ( يقتلون ) ، تبيينه صفات العذاب الذي كانوا يسومونهم . وكذلك العمل في كل جملة أريد تفصيلها ، فبغير الواو تفصيلها ، وإذا أريد العطف عليها بغيرها وغير تفصيلها فبالواو .

20582 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة ، في قوله : ( وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم ) ، أيادي الله عندكم وأيامه .

وقوله : ( ويستحيون نساءكم ) ، يقول : ويبقون نساءكم فيتركون قتلهن ، [ ص: 525 ] وذلك استحياؤهم كان إياهن وقد بينا ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع ، ومعناه : يتركونهم والحياة ، ومنه الخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :

" اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم " بمعنى : استبقوهم فلا تقتلوهم .

( وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ) ، يقول تعالى : وفيما يصنع بكم آل فرعون من أنواع العذاب ، بلاء لكم من ربكم عظيم ، أي ابتلاء واختبار لكم ، من ربكم عظيم . وقد يكون "البلاء" في هذا الموضع نعماء ، ويكون من البلاء الذي يصيب الناس من الشدائد .

التالي السابق


الخدمات العلمية