الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          280 - مسألة : وأما قولنا : أن يتوب من تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها ويستغفر الله تعالى ويكثر من التطوع ; فلقول الله تعالى : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة } ولقول الله تعالى : { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم } وقال تعالى : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } وقال تعالى : { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا } وأجمعت الأمة - وبه وردت النصوص كلها - على أن للتطوع جزءا من الخير الله أعلم بقدره ، وللفريضة أيضا جزء من الخير الله أعلم بقدره ، فلا بد ضرورة من أن يجتمع من جزء التطوع إذا كثر ما يوازي جزء الفريضة ، ويزيد عليه ; وقد أخبر الله تعالى أنه لا يضيع عمل عامل ، وأن { الحسنات يذهبن السيئات } ، وأن { من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية } ، و { من خفت موازينه فأمه هاوية } .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 17 ] حدثنا عبد الله بن ربيع حدثنا عمر بن عبد الملك ثنا أبو داود ثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا إسماعيل هو ابن علية - ثنا يونس عن الحسن عن أنس بن حكيم الضبي أنه لقي أبا هريرة فقال له أبو هريرة : { أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة ، يقول ربنا - تبارك وتعالى - للملائكة وهو أعلم : انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها ؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة وإن كان انتقص منها شيئا قال : انظروا هل لعبدي من تطوع ؟ فإن كان له تطوع قال : أتموا لعبدي فريضته من تطوعه ، ثم تؤخذ الأعمال على ذلكم } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو داود : وحدثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد هو ابن سلمة - عن داود بن أبي هند عن زرارة بن أوفى عن تميم الداري عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى ، قال { ثم الزكاة مثل ذلك ، ثم تؤخذ الأعمال حسب ذلك } .

                                                                                                                                                                                          حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ني عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني زهير بن حرب ومحمد بن المثنى قالا جميعا ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان - عن عبيد الله هو ابن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاته وحده سبعا وعشرين درجة } .

                                                                                                                                                                                          وبه إلى مسلم حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا المغيرة بن سلمة المخزومي حدثنا عبد الواحد هو ابن زياد - ثنا عثمان بن حكيم أخبرنا عبد الرحمن بن أبي عمرة قال : دخل عثمان بن عفان رضي الله عنه المسجد بعد صلاة المغرب فقعد وحده فقعدت إليه ، فقال : يا ابن أخي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله } .

                                                                                                                                                                                          فهذا بيان مقدار أجر التطوع وأجر الفريضة ، وإنما هذا لمن تاب وندم وأقلع واستدرك ما فرط .

                                                                                                                                                                                          وأما من تعمد ترك المفروضات واقتصر على التطوع ; ليجبر بذلك ما عصى في تركه مصرا على ذلك ، فهذا عاص في تطوعه ; لأنه وضعه في غير موضعه ; لأن الله تعالى لم يضعه ; لتترك الفريضة ، بل ; ليكون زيادة خير ونافلة ، فهذا هو الذي يجبر به [ ص: 18 ] الفرض المضيع .

                                                                                                                                                                                          وإذا عصى في تطوعه فهو غير مقبول منه ; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } .

                                                                                                                                                                                          فإن ذكر ذاكر ما روي من أن التطوع لا يقبل ممن لا يؤدي الفريضة كالتاجر لا يصح له ربح حتى يخلص رأس ماله ; فباطل لا يصح ; لأنه إنما رواه موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف ، وعبد الملك بن حبيب الأندلسي عن المكفوف عن أيوب بن خوط ، وهذه بلايا في نسق إحداها يكفي ; ومرسل أيضا ، وعبد الملك بن حبيب عن مطرف عن مالك أن أبا بكر الصديق .

                                                                                                                                                                                          وعبد الملك ساقط ; وهذا أيضا منقطع ، ولو صح ذلك لكان المراد به من قصد التطوع ; ليعوضه عن الفريضة مصرا على ذلك غير نادم ، ولا تائب ، وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية