الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 383 ] 278 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوعيد على الشفاعة في الحدود التي لله عز وجل .

1681 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، أن عروة بن الزبير أخبره ، عن عائشة رضي الله عنها ، { أن امرأة سرقت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقطع فكلمه فيها أسامة بن زيد فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أتشفع في حد من حدود الله تعالى ؟ فقال : أسامة : استغفر لي يا رسول الله .

فلما كان العشي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأثنى على الله عز وجل بما هو أهله ثم ، قال : أما بعد ، فإنما أهلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، والذي نفسي بيده لو أن فاطمة ابنة محمد سرقت لقطعت يدها ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها
} .

[ ص: 384 ]

1682 - حدثنا يونس ، قال : حدثنا شعيب بن الليث بن سعد ، عن أبيه ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة ، أن قريشا أهمهم شأن المخزومية التي سرقت ، فقالوا : من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا : ومن يجترئ عليه إلا أسامة ، ثم ذكر معنى الحديث الذي ذكرناه قبله .

فقال قائل : فقد رويتم عن الزبير بن العوام رضي الله عنه ، أنه شفع لسارق ، وفي ذلك ما قد دل على خلاف ما في هذا الحديث الذي رويتموه ، والزبير رضي الله عنه فلم يأت ما أتى من ذلك إلا بعد وقوفه على إباحة ذلك له ، وذلك مما لا يجوز أن يكون فعله رأيا ، ولكنه فعله توقيفا والتوقيف في مثل هذا فلا يكون إلا من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وذكر ما قد حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج بن [ ص: 385 ] منهال ، قال : حدثنا حماد - يعني ابن سلمة - قال : أخبرنا هشام بن عروة ، عن أخيه عبد الله بن عروة ، عن الفرافصة ، أن الزبير رضي الله عنه مر بلص قد سرق ، فقال : دعوه اعفوا عنه ، فقالوا : تأمرنا بهذا يا أبا عبد الله وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : الزبير إن الحدود يعفى عنها ما لم ترفع إلى السلطان ، فإذا رفعت إلى السلطان فلا أعفاه الله إن عفا عنه .

[ ص: 386 ] وما قد حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا الفريابي ، قال : حدثنا سفيان ، عن هشام بن عروة ، عن عبد الله بن عروة ، عن فرافصة الحنفي ، عن الزبير بن العوام أنهم مروا عليه بسارق ، فقال : أرسلوه ، فقالوا : أتأمرنا بذلك ؟ فقال : نعم ، ما لم يرفع إلى الإمام ، فإذا رفع إلى الإمام فلا أعفاه الله إن عفاه .

قال أبو جعفر : فبين الزبير بن العوام للناس بما قد رويناه عنه موضع الشفاعة التي فيها وعيد الله عز وجل الذي في الحديث الأول ، وأنها الشفاعة على ما قد أنهي إلى الإمام ، وأن الشفاعة قبل أن تنهى إلى الإمام بخلافها وأن لا وعيد فيها ، ومثل الذي قال : ذلك مما لا يحتمله الرأي ، ولا يكون إلا بالتوقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس على ذلك ، والله نسأله التوفيق ، وسنذكر فيما بعد من كتابنا هذا ما قد روي { عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله لصفوان بن أمية في السارق الذي جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سرق خميصته ، فوهبها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا قبل أن تأتيني به ؟ } إن شاء الله عز وجل .

التالي السابق


الخدمات العلمية