الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا

                                                                                                                                                                                                                                        (80) أي: كل من أطاع رسول الله في أوامره ونواهيه فقد أطاع الله تعالى لكونه لا يأمر ولا ينهى إلا بأمر الله وشرعه ووحيه وتنزيله، وفي هذا عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الله أمر بطاعته مطلقا، فلولا أنه معصوم في كل ما يبلغ عن الله لم يأمر بطاعته مطلقا، ويمدح على ذلك. وهذا من الحقوق المشتركة فإن الحقوق ثلاثة:

                                                                                                                                                                                                                                        حق لله تعالى لا يكون لأحد من الخلق، وهو عبادة الله والرغبة إليه، وتوابع ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                        وقسم مختص بالرسول، وهو التعزير والتوقير والنصرة.

                                                                                                                                                                                                                                        وقسم مشترك، وهو الإيمان بالله ورسوله ومحبتهما وطاعتهما، كما جمع الله بين هذه الحقوق في قوله: لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا فمن أطاع الرسول فقد أطاع الله، وله من الثواب والخير ما رتب على طاعة الله ومن تولى عن طاعة الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئا فما أرسلناك عليهم حفيظا أي: تحفظ أعمالهم وأحوالهم، بل [ ص: 329 ] أرسلناك مبلغا ومبينا وناصحا، وقد أديت وظيفتك، ووجب أجرك على الله، سواء اهتدوا أم لم يهتدوا. كما قال تعالى: فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر... الآيات.

                                                                                                                                                                                                                                        ولا بد أن تكون طاعة الله ورسوله ظاهرا وباطنا في الحضرة والمغيب فأما من يظهر في الحضرة الطاعة والالتزام فإذا خلا بنفسه أو أبناء جنسه ترك الطاعة وأقبل على ضدها فإن الطاعة التي أظهرها غير نافعة ولا مفيدة وقد أشبه من قال الله فيهم ويقولون طاعة أي: يظهرون الطاعة إذا كانوا عندك فإذا برزوا من عندك أي: خرجوا وخلوا في حالة لا يطلع فيها عليهم بيت طائفة منهم غير الذي تقول أي: بيتوا ودبروا غير طاعتك ولا ثم إلا المعصية.

                                                                                                                                                                                                                                        وفي قوله: بيت طائفة منهم غير الذي تقول دليل على أن الأمر الذي استقروا عليه غير الطاعة; لأن التبييت تدبير الأمر ليلا على وجه يستقر عليه الرأي ثم توعدهم على ما فعلوا فقال: والله يكتب ما يبيتون أي: يحفظه عليهم وسيجازيهم عليه أتم الجزاء ففيه وعيد لهم.

                                                                                                                                                                                                                                        ثم أمر رسوله بمقابلتهم بالإعراض وعدم التعنيف فإنهم لا يضرونه شيئا إذا توكل على الله واستعان به في نصر دينه وإقامة شرعه ولهذا قال: فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية