الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وذكر - سبحانه - خلق السماوات والأرض في ستة أيام؛ فقال - عز من قائل -: الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا ؛ بدل - أو عطف - من " الحي " ؛ وذكر ذلك بعد هذا الوصف الجليل؛ لبيان أن [ ص: 5306 ] التوكل على القادر المنشئ للوجود كله؛ وستة الأيام التي في هذه الآية التي ذكر - سبحانه - أنه خلق السماوات والأرض؛ ليست هي الأيام التي نعرفها الآن بيننا؛ لأن أيامنا مربوطة بالشمس والأرض؛ ودوران الأرض حول الشمس؛ فيكون الليل والنهار خلفة يخلف أحدهما الآخر؛ وقبل السماوات والأرض لم تكن الشمس ولا الأرض؛ ولذلك تفسر الأيام بالأدوار الكونية التي يخلق الله بها السماوات والأرض؛ وقد ذكر - سبحانه وتعالى - في سورة " فصلت " ؛ فقال - عز وجل -: قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم

                                                          وإن هذا النص السامي يدل على أن الأرض أخذت أربعة أدوار؛ منها الدوران الأولان؛ والسماء قضاهن - سبحانه - سبع سماوات في يومين.

                                                          وإن لعلماء الكون جولات علمية في معاني هذه الآيات؛ وما تدل عليه من حكمة اللطيف الخبير.

                                                          بعد أن خلق - سبحانه وتعالى - السماوات السبع والأرض في ستة أدوار كونية؛ جلس - سبحانه - على عرش الكون; لأنه - سبحانه وتعالى - خالقه؛ فقال: ثم استوى على العرش ؛ هذا كناية عن كمال سلطانه في خلقه؛ يدبره كما شاء؛ ففي الكلام تشبيه؛ إذ شبه - سبحانه وتعالى - سلطانه على الكون يقوم عليه؛ ويدبره؛ لأنه - سبحانه وتعالى - الحي القيوم؛ بمن يجلس على عرش مملكته يدبرها ويقوم على مصالحها؛ ولله المثل الأعلى.

                                                          وقال - سبحانه - ثم استوى على العرش الرحمن ؛ التعبير بـ " ثم " ؛ في موضعه؛ لأنه سبق ذلك أدوار كونية لا يعلمها إلا الله؛ ووصف - سبحانه وتعالى - سلطانه على العرش؛ فقال - عز من قائل -: الرحمن ؛ أي أنه يدبره ويسيطر عليه [ ص: 5307 ] برحمته؛ فكل عمل منه - سبحانه - في عرش السماوات والأرض رحمة في ذاته؛ الرحمن الرحيم.

                                                          وإن المتتبع لهذا الخلق وذلك التكوين؛ والقيام عليه بقدرته (تعالى) يرى بقلبه رحمته - سبحانه -؛ ولذا قال (تعالى): فاسأل به خبيرا ؛ الفاء للإفصاح عن شرط مقدر؛ إذا أردت أن تعرف فاسأل به خبيرا ؛ والباء - فيما أحسب - بمعنى " في " ؛ والمعنى: فاسأل خبيرا؛ أي: عليما؛ يعلم علما دقيقا؛ فإنه ينبئك عن جلال الله (تعالى) في الخلق والتكوين والرحمة.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية