الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين

                                                                                                                                                                                                                                      لولا إذ سمعتموه تلوين للخطاب وصرف له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذويه إلى الخائضين بطريق الالتفات لتشديد ما في "لولا" التحضيضية من التوبيخ ، ثم العدول عنه إلى الغيبة في قوله تعالى : ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا لتأكيد التوبيخ والتشنيع لكن لا بطريق الإعراض عنهم وحكاية جناياتهم لغيرهم على وجه المثابة بل بالتوسل بذلك إلى وصفهم بما يوجب الإتيان بالمحضض عليه ويقتضيه اقتضاء تاما ويزجرهم عن ضده زجرا بليغا ، فإن كون وصف الإيمان مما يحملهم على إحسان الظن ويكفهم عن إساءته بأنفسهم ، أي : بأبناء جنسهم النازلين منزلة أنفسهم كقوله تعالى : ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وقوله تعالى : ولا تلمزوا أنفسكم ، مما لا ريب فيه فإخلالهم بموجب ذلك الوصف أقبح وأشنع والتوبيخ عليه أدخل مع ما فيه من التوسل به إلى التصريح بتوبيخ الخائضات ، ثم إن كان المراد بالإيمان الإيمان الحقيقي فإيجابه لما ذكر واضح والتوبيخ خاص بالمؤمنين ، وإن كان مطلق الإيمان الشامل لما يظهره المنافقون أيضا فإيجابه له من حيث أنهم كانوا يحترزون عن إظهار ما ينافي مدعاهم ، فالتوبيخ حينئذ متوجه إلى الكل . وتوسيط الظرف بين "لولا" وفعلها لتخصيص التحضيض بأول زمان سماعهم ، وقصر التوبيخ على تأخير الإتيان بالمحضض عليه عن ذلك الآن والتردد فيه ليفيد أن عدم الإتيان به رأسا في غاية ما يكون من القباحة والشناعة ، أي : كان الواجب أن يظن المؤمنون والمؤمنات أول ما سمعوه ممن اخترعه بالذات أو بالواسطة من غير تلعثم وتردد بمثلهم من احاد المؤمنين خيرا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقالوا في ذلك الآن هذا إفك مبين أي : ظاهر مكشوف كونه إفكا ، فكيف بالصديقة ابنة الصديق أم المؤمنين حرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية