الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[قصة ذنب داود عليه الصلاة والسلام : ]

19 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، أنا يزيد بن هارون ، أنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال : قال داود النبي - صلى الله عليه - : إلهي ما شأن بني إسرائيل إذا كانت لهم إليك حاجة فأحبوا نجحها ، سألوك بإبراهيم ، وإسماعيل ، وإسحاق ، ويعقوب ؟ ! قال : أي داود! ، إني ابتليتهم فصبروا ، فقال : وأنا أي رب! لو ابتليتني لصبرت ، قال : فإني ابتليتهم ولم أخبرهم بأني ابتليتهم في أي سنة ، ولا في أي شهر ، ولا في أي يوم ، وإني مبتليك فمخبرك ، ثم في سنتك ، ثم في شهرك ، ثم في غدك ، ثم هي امرأة فاحذر نفسك!! فلما كان ذلك اليوم ، قال : لا يأتيني اليوم أحد ، فدخل المحراب ، فجعل يقرأ ويصلي ، فلما ذهب من النهار ما ذهب قال : لو أني نظرت ماذا ذهب من النهار ، فنظر ، فوقع بين يديه طائر ، أحسن طائر في الأرض ، جناحاه من ذهب . [ ص: 104 ]

فأما أول ما وقع فلم يرفع به رأسا ، ثم أقبل فجعل يقرأ ويصلي ، ثم قال : لو أني أخذت هذا ، عجبت به بني إسرائيل ، فتناوله ليأخذه ، فقفز غير بعيد ، وهو يطمعه حتى وقع على كوة المحراب ، فنظر فإذا هو بامرأة تغتسل ، فوقعت المرأة في نفسه ، وذهب ذلك اليوم ، وظن أنه لم يفتن فيه بشيء .

ثم إنه بعث بعثا ، وأمر صاحب البعث أن يقدم زوج المرأة ، وكان اسمه أوريا ، فجاءه الكتاب بأنه قتل فلان وفلان حملة التابوت ، فلما لم ير فيها اسمه ألقى الصحيفة ، وكان اسمه في آخر الصحيفة ، ثم نظر فوجد فيها اسمه ، فتركها حتى انقضت عدتها ، ثم خطبها فتزوجها ، ولم ير بذلك بأسا ، فأراد الله أن يبصره خطيئته ، حتى يتوب منها ، فأرسل الله تعالى ملكين فتسورا المحراب ، ففزع داود ، فقالا : ( لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم ) .

فقال أحدهما : يا عبد الله! إنهم مني ، [ ص: 105 ] إنها كانت لي نعجة آكل إليها ، وأسكن إليها ، وأشرب إليها ، فغلبني ونزعها مني ، فلما قال ذلك : (ظن داود) أي أيقن داود ، قال : أيتها المرأة أنت هذه النعجة ، وخر ساجدا بين أربعين ليلة ويوم ، لا يقوم إلا لصلاة مكتوبة ، أو لحاجة لا بد منها ، فقال : أي رب! ، رقأ الدمع ، وقرح الجبين ، وتناثر الدود من ركبتي ، وخطيئتي ألزم بي من جلدي ، فأوحى الله إليه : أن ارفع رأسك يا داود! ، فقد غفرت لك ، فلم يرفع رأسه حتى جاءه جبريل ، فرفع رأسه .

قال أبو معشر : فحدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري : أنه لما رفع رأسه قال : أي رب! إن لي إليك حاجة ، فمر الخلائق أن ينصتوا ، فأوحى الله إليه : يا داود إنه لا يسد سمعي شيء ، قال إني أحب ذلك ، فمر الخلائق أن ينصتوا ، فأوحى الله إلى السماوات ، ومن فيها أن ينصتوا ، وإلى الأرضين ، ومن فيها أن ينصتن ، فقال داود : أي رب! ، أوريا يطلب مني دمه يوم القيامة ؟ ! قال : نعم ، قال : فكيف بي وهو يطلب مني دمه ؟ قال : أجمع بينكما فأقضي بينكما ، ثم أستوهبه دمك ، وأنا أغفر لك ، فقال : الآن علمت أنك قد غفرت لي " . [ ص: 106 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية