الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب السلفة في العروض

                                                                                                          حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أنه قال سمعت عبد الله بن عباس ورجل يسأله عن رجل سلف في سبائب فأراد بيعها قبل أن يقبضها فقال ابن عباس تلك الورق بالورق وكره ذلك قال مالك وذلك فيما نرى والله أعلم أنه أراد أن يبيعها من صاحبها الذي اشتراها منه بأكثر من الثمن الذي ابتاعها به ولو أنه باعها من غير الذي اشتراها منه لم يكن بذلك بأس قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا فيمن سلف في رقيق أو ماشية أو عروض فإذا كان كل شيء من ذلك موصوفا فسلف فيه إلى أجل فحل الأجل فإن المشتري لا يبيع شيئا من ذلك من الذي اشتراه منه بأكثر من الثمن الذي سلفه فيه قبل أن يقبض ما سلفه فيه وذلك أنه إذا فعله فهو الربا صار المشتري إن أعطى الذي باعه دنانير أو دراهم فانتفع بها فلما حلت عليه السلعة ولم يقبضها المشتري باعها من صاحبها بأكثر مما سلفه فيها فصار أن رد إليه ما سلفه وزاده من عنده قال مالك من سلف ذهبا أو ورقا في حيوان أو عروض إذا كان موصوفا إلى أجل مسمى ثم حل الأجل فإنه لا بأس أن يبيع المشتري تلك السلعة من البائع قبل أن يحل الأجل أو بعد ما يحل بعرض من العروض يعجله ولا يؤخره بالغا ما بلغ ذلك العرض إلا الطعام فإنه لا يحل أن يبيعه حتى يقبضه وللمشتري أن يبيع تلك السلعة من غير صاحبه الذي ابتاعها منه بذهب أو ورق أو عرض من العروض يقبض ذلك ولا يؤخره لأنه إذا أخر ذلك قبح ودخله ما يكره من الكالئ بالكالئ والكالئ بالكالئ أن يبيع الرجل دينا له على رجل بدين على رجل آخر قال مالك ومن سلف في سلعة إلى أجل وتلك السلعة مما لا يؤكل ولا يشرب فإن المشتري يبيعها ممن شاء بنقد أو عرض قبل أن يستوفيها من غير صاحبها الذي اشتراها منه ولا ينبغي له أن يبيعها من الذي ابتاعها منه إلا بعرض يقبضه ولا يؤخره قال مالك وإن كانت السلعة لم تحل فلا بأس بأن يبيعها من صاحبها بعرض مخالف لها بين خلافه يقبضه ولا يؤخره قال مالك فيمن سلف دنانير أو دراهم في أربعة أثواب موصوفة إلى أجل فلما حل الأجل تقاضى صاحبها فلم يجدها عنده ووجد عنده ثيابا دونها من صنفها فقال له الذي عليه الأثواب أعطيك بها ثمانية أثواب من ثيابي هذه إنه لا بأس بذلك إذا أخذ تلك الأثواب التي يعطيه قبل أن يفترقا فإن دخل ذلك الأجل فإنه لا يصلح وإن كان ذلك قبل محل الأجل فإنه لا يصلح أيضا إلا أن يبيعه ثيابا ليست من صنف الثياب التي سلفه فيها

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          31 - باب السلفة في العروض

                                                                                                          1365 1350 - ( مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أنه قال : سمعت عبد الله بن عباس ورجل يسأله عن رجل سلف في سبائب ) بسين مهملة أوله وموحدة آخره شقق رقيقة جمع سبة بالكسر وسبيبة ويجمع أيضا على سبوب كما في القاموس ، وقال أبو عمر : السبائب عمائم الكتان وغيره ، وقيل : شقق الكتان وغيره ، وقيل : الملاحف .

                                                                                                          ( فأراد أن يبيعها قبل أن يقبضها ، فقال ابن عباس : تلك الورق بالورق وكره ذلك قال مالك : وذلك فيما نرى ) نظن ( والله أعلم أنه إنما أراد أن يبيعها من صاحبها الذي اشتراها منه بأكثر من الثمن الذي ابتاعها به ) فيتهمان على السلف بزيادة وجعلا العقد على السبائب محللا بينهما .

                                                                                                          ( ولو أنه باعها الذي اشتراها منه لم يكن بذلك بأس ) أي يجوز لانتفاء [ ص: 461 ] التهمة قال أبو عمر : وقد صح أن ابن عباس قال : وأحسب أن كل شيء بمنزلة الطعام ، لكن حجة مالك ومن وافقه كأحمد وداود أنه صلى الله عليه وسلم خص الطعام فإدخال غيره في معناه ليس بأصل ولا قياس لأنه زيادة على النص بغير نص ، والله أحل البيع مطلقا إلا ما خصه على لسان رسوله أو ذكره في كتابه ، وحديث حكيم رفعه : " إذا ابتعت شيئا فلا تبعه حتى تقبضه " إنما أراد الطعام بدليل رواية الحفاظ حديث حكيم : " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : إذا ابتعت طعاما فلا تبعه حتى تقبضه " اهـ .

                                                                                                          ( فالأمر عندنا فيمن سلف في رقيق أو ماشية أو عروض ، فإذا كان كل شيء من ذلك موصوفا فسلف فيه إلى أجل فحل الأجل فإن المشتري لا يبيع شيئا من ذلك من الذي اشتراه منه بأكثر من الثمن الذي سلفه فيه قبل أن يقبض ما سلفه فيه وذلك أنه إذا فعل ذلك فهو الربا ) بعينه ( صار المشتري إن أعطى الذي باعه دنانير أو دراهم ) فانتفع بها فلما حلت عليه السلعة التي باعها ولم يقبضها المشتري باعها من صاحبها بأكثر مما سلفه فيها فصار الأمر ( أن رد إليه ما سلفه وزاده من عنده ) وذلك الربا .

                                                                                                          ( ومن سلف ذهبا أو ورقا في حيوان أو عروض ) بالجمع ، وفي نسخة عرض ( إذا كان موصوفا إلى أجل مسمى ثم حل الأجل فإنه لا بأس أن يبيع المشتري تلك السلعة من البائع ) أي له ( قبل أن يحل الأجل أو بعدما يحل بعرض من العروض يعجله ولا يؤخره ) جمع بينهما تأكيدا وإن اتحد معناهما ( بالغا ما بلغ ذلك العرض إلا الطعام فإنه لا يحل أن يبيعه حتى يقبضه ) للنهي عن ذلك .

                                                                                                          ( وللمشتري أن يبيع تلك السلعة من غير صاحبه ) أي لغير ( الذي ابتاعها منه [ ص: 462 ] بذهب أو ورق أو عرض من العروض يقبض ذلك ولا يؤخره لأنه إذا أخر ذلك قبح ) حرم ( ودخله ما يكره ) أي يحرم ( من الكالئ بالكالئ ) بالهمز أي التأخير ومنه : بلغ بك أكلأ العمر أي أطوله وأشده قال الشاعر :


                                                                                                          تعففت عنها في العصور التي خلت فكيف التصابي بعدما كلأ العمر



                                                                                                          ( والكالئ بالكالئ أن يبيع الرجل دينا له على رجل بدين على رجل آخر ) وقيل : مأخوذ من الكلأ وهو الحفظ وإطلاق هذا الاسم على الدين مجاز لأنه مكلوء لا كالئ ، وإنما الكالئ صاحبه لأن كلا من المتبايعين يكلأ صاحبه أي يحرسه لأجل ماله قبله ، فعلاقة المجاز الملازمة أي كون كل منهما لازما للآخر ، إذ يلزم من الحافظ محفوظ وعكسه ، وقد جاء فاعل بمعنى مفعول كدافق أو مدفوق ، أو هو مجاز في الإسناد إلى ملابس الفعل أي كالئ صاحبه كعيشة راضية أو مجاز بالحذف أي من بيع مال الكالئ بالكالئ .

                                                                                                          وقد روى الدارقطني والحاكم والبيهقي من حديث عبد العزيز الدراوردي عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر : " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ " قال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ، قال الحافظ : وهو وهم فإن راويه موسى بن عبيدة الربذي لا موسى بن عقبة .

                                                                                                          وقال أحمد : ليس في هذا حديث يصح لكن الإجماع على أنه لا يجوز بيع الدين بالدين .

                                                                                                          ( ومن سلف في سلعة إلى أجل وتلك السلعة مما لا تؤكل ولا تشرب فإن المشتري يبيعها ممن شاء بنقد أو عرض قبل أن يستوفيها من غير صاحبها الذي اشتراها منه ولا ينبغي ) لا يجوز ( له أن يبيعها من الذي ابتاعها منه إلا بعرض يقبضه ولا يؤخره ) لما مر بيانه ( وإن كانت السلعة لم تحل فلا بأس بأن يبيعها من صاحبها بعرض مخالف لها بين ) أي ظاهر ( خلافه يقبضه ولا يؤخره ) لما مر .

                                                                                                          [ ص: 463 ] ( قال مالك فيمن سلف دنانير أو دراهم في أربعة أثواب موصوفة إلى أجل فلما حل الأجل تقاضى صاحبها ) طلبها منه ( فلم يجدها عنده ووجد عنده ثيابا دونها من صنفها فقال له الذي عليه الأثواب : أعطيك بها ثمانية أثواب من ثيابي هذه : إنه لا بأس بذلك إذا أخذ تلك الأثواب التي يعطيه قبل أن يفترقا ، فإن دخل ذلك الأجل فإن ذلك لا يصلح ) لا يجوز ( وإن كان ذلك قبل محل ) أي حلول ( الأجل فإنه لا يصلح أيضا إلا أن يبيعه ثيابا ليست من صنف الثياب التي سلفه فيها ) فيجوز .




                                                                                                          الخدمات العلمية