الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون

                                                                                                                                                                                                                                      وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن فلا ينظرون إلى ما لا يحل لهن النظر إليه ويحفظن فروجهن بالتستر أو التصون عن الزنا ، وتقديم الغض لأن النظر يريد الزنا ورائد الفساد . ولا يبدين زينتهن كالحلي وغيرها مما يتزين به ، وفيه من المبالغة في النهي عن إبداء مواضعها ما لا يخفى . إلا ما ظهر منها عند مزوالة الأمور التي لا بد منها عادة كالخاتم والكحل والخضاب ونحوها ، فإن في سترها حرجا بيننا . وقيل : المراد بالزينة : مواضعها على حذف المضاف ، أو ما يعم المحاسن الخلقية والتزينية ، والمستثنى هو الوجه والكفان لأنها ليست بعورة . وليضربن بخمرهن على جيوبهن إرشاد إلى كيفية إخفاء بعض مواضع الزينة بعد النهي عن إبدائها ، وقد كانت النساء على عادة الجاهلية يسدلن خمرهن من خلفهن فتبدو نحورهن وقلائدهن من جيوبهن لوسعها ، فأمرن بإرسال خمرهن إلى جيوبهن سترا لما يبدو منها . وقد ضمن الضرب معنى الإلقاء فعدى بعلى . وقرئ بكسر الجيم كما تقدم .

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يبدين زينتهن كرر النهي لاستثناء بعض مواد الرخصة عنه باعتبار الناظر بعدما استثني عنه بعض مواد الضرورة باعتبار المنظور . إلا لبعولتهن فإنهم المقصودون بالزينة ، ولهم أن ينظروا إلى جميع بدنهن حتى الموضع المعهود . أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن لكثرة المخالطة الضرورية بينهم وبينهن وقلة توقع الفتنة من قبلهم لما في طباع الفريقين من النفرة عن مماسة القرائب ، ولهم أن ينظروا منهن ما يبدو عند المهنة والخدمة وعدم ذكر الأعمام والأخوال لما أن الأحوط أن يتسترن عنهم حذرا أن يصفوهن لأبنائهم .

                                                                                                                                                                                                                                      أو نسائهن المختصات بهن بالصحبة والخدمة من حرائر المؤمنات فإن الكوافر لا يتحرجن عن وصفهن للرجال . أو ما ملكت أيمانهن أي : من الإماء ، فإن عبد المرأة بمنزلة الأجنبي منها ، وقيل : من الإماء والعبيد لما روى أنه صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة رضي الله عنها بعبد وهبه لها وعليها ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت رجليها لم يبلغ رأسها ، فقال صلى الله عليه وسلم : إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك .

                                                                                                                                                                                                                                      أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أي : أولي الحاجة إلى النساء ، وهم الشيوخ الهم والممسوحون في المجبوب والخصي خلاف ، وقيل : هم البله الذين يتتبعون الناس لفضل طعامهم ، ولا يعرفون شيئا من امور النساء ، وقرئ غير بالنصب على الحالية . أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء [ ص: 171 ] لعدم تمييزهم من الظهور بمعنى : الاطلاع ، أو لعدم بلوغهم حد الشهوة من الظهور بمعنى : الغلبة ، والطفل جنس وضع موضع الجمع اكتفاء بدلالة الوصف .

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين أي : ما يخفينه من الرؤية من زينتهن أي : ولا يضربن بأرجلهن الأرض ليتقعقع خلخالهن فليعلم أنهن ذوات خلخال فإن ذلك مما يورث الرجال ميلا إليهن ويوهم أن لهن ميلا إليهم ، وفي النهي عن إبداء صوت الحلي بعد النهي عن إبداء عينها من المبالغة في الزجر عن إبداء موضعها ما لا يخفى .

                                                                                                                                                                                                                                      وتوبوا إلى الله جميعا تلوين للخطاب وصرف له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكل بطريق التغليب لإبراز كمال العناية بما في حيزه من أمر التوبة ، وأنها من معظمات المهمات الحقيقة بأن يكون سبحانه وتعالى هو الآمر بها لما أنه لا يكاد يخلوا أحد من المكلفين عن نوع تفريط في إقامة مواجب التكاليف كما ينبغي ، وناهيك بقوله صلى الله عليه وسلم : شيبتني سورة هود لما فيها من قوله عز وجل : فاستقم كما أمرت لا سيما إذا كان المأمور به الكف عن الشهوات ، وقيل : توبوا عما كنتم تفعلونه في الجاهلية ، فإنه وإن وجب بالإسلام لكن يجب الندم عليه والعزم على تركه كلما خطر بباله . وفي تكرير الخطاب بقوله تعالى : أيه المؤمنون تأكيد للإيجاب وإيذان بأن وصف الإيمان موجب للامتثال حتما . وقرئ "أيه المؤمنون" . لعلكم تفلحون تفوزون بذلك بسعادة الدارين .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية