الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين

                                                                                                                                                                                                                                      ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات كلام مستأنف جيء به في تضاعيف ما ورد من الآيات السابقة واللاحقة لبيان جلالة شئونها المستوجبة للإقبال الكلي على العمل بمضمونها ، وصدر بالقسم الذي تعرب عنه اللام لإبراز كمال العناية بشأنه ، أي : وبالله لقد أنزلنا إليكم هذه السورة الكريمة آيات مبينات لكل ما بكم حاجة إلى بيانه من الحدود وسائر الأحكام والآداب وغير ذلك مما هو من مبادئ بيانها على أن إسناد التبيين إليها مجازي ، أو آيات واضحات تصدقها الكتب القديمة والعقول السليمة على أن "مبينات" من بين بمعنى تبين ، ومنه المثل : قد بين الصبح لذي عينين . وقرئ على صيغة المفعول ، أي : التي بينت وأوضحت في هذه السورة من معاني الأحكام والحدود ، وقد جوز أن يكون الأصل مبينا فيها الأحكام فاتسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول .

                                                                                                                                                                                                                                      ومثلا من الذين خلوا من قبلكم عطف على "آيات" أي : وأنزلنا مثلا كائنا من قبيل أمثال الذين مضوا من قبلكم من القصص العجيبة والأمثال المضروبة لهم في الكتب السابقة والكلمات الجارية على ألسنة الأنبياء عليهم السلام ، فينتظم قصة عائشة رضي الله عنها المحاكية لقصة يوسف عليه السلام وقصة مريم رضي الله عنها ، وسائر الأمثال الواردة في السورة الكريمة انتظاما واضحا . وتخصيص الآيات المبينات بالسوابق وحمل المثل على القصة العجيبة فقط يأباه تعقيب الكلام بما سيأتي من التمثيلات .

                                                                                                                                                                                                                                      وموعظة تتعظون به وتنـزجرون عما لا ينبغي من المحرمات والمكروهات وسائر ما يخل بمحاسن الآداب فهي عبارة عما سبق من الآيات والمثل لظهور كونها من المواعظ بالمعنى المذكور [ ص: 175 ] ومدار العطف هو التغاير العنواني المنـزل منزلة التغاير الذاتي ، وقد خصت الآيات بما يبين الحدود والأحكام والموعظة بما وعظ به من قوله تعالى : ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله وقوله تعالى : لولا إذ سمعتموه وغير ذلك من الآيات الواردة في شأن الآداب ، وإنما قيل : للمتقين مع شمول الموعظة للكل حسب شمول الإنزال لقوله تعالى : "أنزلنا إليكم" حثا للمخاطبين على الاعتناء بالانتظام في سلك المتقين ببيان أنهم المغتنمون لآثارها المقتبسون من أنوارها فحسب . وقيل : المراد بالآيات المبينات والمثل والموعظة : جميع ما في القرآن المجيد من الآيات والأمثال والمواعظ .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية