الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 399 ] 281 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذكر الفخذ هل هو من العورة أم لا

1695 - حدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا حجاج بن إبراهيم ، قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن محمد بن أبي حرملة ، عن عطاء بن يسار وسليمان بن يسار وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيته ، كاشفا عن فخذيه ، فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال ، ثم استأذن عمر ، فأذن له وهو كذلك ، فتحدث ثم استأذن عثمان فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وسوى ثيابه ، قال : محمد : ولا أقول ذلك في يوم واحد فدخل فتحدث فلما خرج قالت له عائشة : يا رسول الله ، دخل عليك أبو بكر ، فلم تهش ولم تباله ، ثم دخل عمر فلم تهش له ، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك ؟ ، فقال : ألا أستحيي ممن تستحيي منه الملائكة } .

[ ص: 400 ] قال أبو جعفر : ففي هذا ما قد دل على أن الفخذ ليس من العورة ، وقد روي في هذا المعنى أيضا .

1696 - ما قد حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، قال : حدثنا أبو معاوية ، قال : حدثني عمرو بن مسلم صاحب المقصورة ، عن أنس بن مالك ، قال : { دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا من حوائط الأنصار فإذا بئر في الحائط فجلس على رأسها ، ودلى رجليه ، وبعض فخذه مكشوف ، وأمرني أن أجلس على الباب ، فلم ألبث أن جاء أبو بكر فأعلمته ، فقال : ائذن له وبشره بالجنة ، فدخل فحمد الله عز وجل ، ثم صنع كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم جاء عمر فأعلمته ، فقال : ائذن له وبشره بالجنة ، فدخل فحمد الله عز وجل ، ثم صنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم جاء علي فأعلمته ، فقال : ائذن له وبشره بالجنة ، فدخل فحمد الله عز وجل وصنع كما صنع أصحابه ، ثم جاء عثمان ، فقال : ائذن له وبشره بالجنة ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم غطى فخذه . قالوا : لم يا رسول الله ، غطيت فخذك حين جاء عثمان ، قال : إني لأستحيي ممن تستحيي منه الملائكة } .

[ ص: 401 ] قال أبو جعفر : فكان في مثل هذا الحديث أيضا مثل الذي في الحديث الذي قبله ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الفخذ أنه من العورة .

1697 - كما حدثنا أحمد بن أبي عمران ، قال : حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن ابن جريج ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عاصم بن ضمرة ، عن علي رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الفخذ عورة } .

[ ص: 402 ]

1698 - وكما حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا إسحاق بن منصور ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد ، [ ص: 403 ] عن ابن عباس قال : { خرج النبي صلى الله عليه وسلم ، فرأى فخذ رجل ، فقال : فخذ الرجل من عورته } .

1699 - وكما حدثنا بحر بن نصر ، قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني حفص بن ميسرة ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبي كثير ، عن محمد بن جحش ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على معمر بفناء المسجد كاشفا عن طرف فخذه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خمر فخذك يا معمر ؛ إن الفخذين عورة } .

[ ص: 404 ]

1700 - وكما حدثنا روح بن الفرج ، قال : حدثنا أبو مصعب الزهري ، قال : حدثنا ابن أبي حازم ، عن العلاء ، عن أبي كثير مولى محمد بن جحش ، عن محمد بن جحش ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثله .

1701 - وكما حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا إسحاق بن منصور ، قال : حدثنا الحسن بن صالح ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن عبد الله بن مسلم بن جرهد ، [ ص: 405 ] عن أبيه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : { فخذ الرجل من عورته ، أو قال : من العورة } .

1702 - وكما حدثنا فهد ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا حسن ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن عبد الله بن جرهد الأسلمي ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله .

[ ص: 406 ]

1703 - وكما حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا عبد الله بن وهب ، قال : حدثني مالك بن أنس ، عن أبي النضر ، عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد ، عن أبيه ، { عن جرهد وكان من أصحاب الصفة ، أنه قال : جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي وفخذي منكشفة ، فقال : خمر عليك ، أما علمت أن الفخذ عورة } .

1704 - وكما حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا مسدد بن مسرهد ، قال : حدثنا يحيى بن سعد ، عن مسعر ، قال : حدثنا أبو الزناد ، عن عمه زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد ، { عن جده جرهد ، قال : مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلي بردة قد كشفت عن فخذي ، فقال : غط فخذك ، الفخذ عورة } .

[ ص: 407 ] قال أبو جعفر : ففي هذه الآثار أن الفخذ عورة ، ولما اختلف في حكم الفخذ أنه عورة ، وفي أنه ليس بعورة فيما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ذكرنا طلبنا الأولى من هذين المعنيين بالنظر الصحيح .

فوجدنا الفخذ من المرأة من عورتها ، لا يحل لذي رحمها المحرمة منها ولا لغيره من الناس سوى زوجها النظر إليه منها ، كما لا يحل لهم النظر منها إلى فرجها ولا إلى بطنها ، وكان ذلك بخلاف صدرها وبخلاف رأسها وبخلاف ساقها ؛ لأن ذلك ينظر إليه ذوو الرحم المحرمة منها ، وإنما الممنوعون من النظر إلى ذلك منها سوى زوجها الأجنبيون منها .

فعقلنا بذلك أن فخذها من عورتها ، كما فرجها وكما بطنها من عورتها ، لا كرأسها ولا كساقها ، ولا كصدرها اللاتي ليست [ ص: 408 ] من عورتها ، وإذا كان ذلك كذلك في المرأة كان في الرجل أيضا كذلك ، وكان فخذه من عورته لا كما سواه من بدنه مما ليس من عورته .

ثم نظرنا في ركبتيه هل حكمهما كحكم فخذه أو كحكم ساقه .

1705 - فوجدنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، وفهد بن سليمان جميعا قد حدثانا ، قالا : حدثنا سعيد بن كثير بن عفير ، قال : حدثني عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني علي بن الحسين بن علي ، أن الحسين بن علي أخبره ، أن { عليا رضي الله عنه ، قال : استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة رضي الله عنه ، فأذن له فإذا هو يشرب فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يلومه فيما فعل بشارفي علي ، وإذا حمزة ثمل محمرة عيناه ، فنظر حمزة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صعد النظر ثم نظر إلى ركبته ، ثم صعد النظر ، فنظر إلى سرته ثم صعد النظر ، فنظر إلى وجهه ثم ، قال : هل أنتم إلا عبيد لأبي ؟ فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ثمل ، فنكص رسول الله صلى الله عليه وسلم على عقبيه القهقرى وخرج وخرجنا معه . }

[ ص: 409 ]

1706 - ووجدنا محمد بن علي بن زيد المكي قد حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ، قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، ثم ذكر بإسناده مثله .

1707 - ووجدنا عبيد بن رجال قد حدثنا ، قال : حدثنا أحمد بن صالح ، قال : حدثنا عنبسة بن خالد ، عن يونس بن يزيد ثم ذكر بإسناده مثله .

قال أبو جعفر : فكان في هذا الحديث ما قد دل ، أن حكم الركبة كحكم الساق لا كحكم الفخذ .

1708 - ووجدنا أبا أمية قد حدثنا ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا زكريا بن إسحاق ، قال : حدثنا إبراهيم بن ميسرة ، أنه سمع عمرو بن الشريد يحدث ، عن أبيه ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم تبع رجلا من ثقيف حتى هرول في إثره حتى أخذ بثوبه ، فقال : ارفع إزارك فكشف الرجل ، عن ركبتيه ، فقال : يا رسول الله ، إني أحنف وتصطك ركبتاي ، فقال : رسول الله : صلى الله عليه وسلم : كل [ ص: 410 ] خلق الله حسن ، فلم نر ذلك الرجل إلا وإزاره إلى نصف ساقيه حتى مات } .

قال أبو جعفر : فكان هذا الحديث كالحديث الذي قبله أيضا .

1709 - ووجدنا محمد بن سنان الشيزري قد حدثنا ، قال : حدثنا هشام بن عمار ، قال : حدثنا صدقة بن خالد ، قال : حدثنا زيد بن واقد ، عن بسر بن عبيد الله ، عن عائذ الله أبي إدريس الخولاني ، عن { أبي الدرداء رضي الله عنه ، قال : كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذا عن طرف ثوبه حتى أبدى عن ركبتيه ، فقال : أما صاحبكم فقد غامر فسلم ، فقال : إنه كان بيني وبين ابن الخطاب ، فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى علي [ ص: 411 ] وتحرز مني بداره ، فقال : يغفر الله لك أبا بكر - مرتين - ثم إن عمر قدم فأقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : رسول الله : صلى الله عليه وسلم : أيها الناس إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت وواساني بنفسه وماله ، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي ؟ مرتين . قال أبو جعفر : فكان هذا الحديث كالذي قبله أيضا ووجدنا أبا موسى الأشعري قد روي عنه من كلامه كلام قد خلطه بوعيد لمن خالفه مما لا يجوز أن يكون قاله رأيا ؛ لأن الوعيد لا يكون فيما قد قيل بالرأي مما قد يجوز لغير قائله أن يقول بخلافه ما قد خالف هذا المعنى .

كما حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن حكيم الأثرم ، عن أبي تميمة الهجيمي ، قال : سمعت أبا موسى الأشعري يقول : لا أعرفن أحدا نظر من جارية إلا إلى ما فوق سرتها وأسفل من ركبتيها ، [ ص: 412 ] لا أعرفن أحدا فعل ذلك إلا عاقبته . قال أبو جعفر : فجاز لما قد ذكرنا أن يضاد بهذا الحديث الأحاديث التي ذكرناها قبله المخالفة له ، ثم عدنا إلى طلب الحكم في ذلك بالنظر الصحيح . فوجدنا الفخذ والساق عضوين موصولين أحدهما مركب على الآخر ، وكانا إذا نشطا بدا منهما كالفلكة ، وهما كعظمان أحدهما في الفخذ والآخر في الساق وتلك الفلكة هي الركبة ، وكان ما كان منها في الفخذ له حكم الفخذ في أنه عورة ، وكان ما كان منها في الساق له حكم الساق ، وليس هو بعورة ، ولكنه غير مقدور على تفصيله من العظم الذي في الساق ، ولا على مقدار كل واحد منه ، ومن العظم الذي في الساق إنما يريان كالشيء الواحد ، فكان الأولى في ذلك أن نحكم له بحكم العورة لا بحكم ما سواه .

وأما السرة ففي حديث علي ما قد دل أنها ليس من العورة ، وكذلك في حديث أبي محذورة .

1710 - الذي حدثناه علي بن معبد وعلي بن شيبة ، قالا : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : أخبرني عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة ، أن عبد الله بن محيريز أخبره ، [ ص: 413 ] عن أبي محذورة في حديث الأذان ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على ناصية أبي محذورة ، ثم أمرها على وجهه ، ثم بين ثدييه ثم على كبده ، ثم بلغت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم سرة أبي محذورة } .

1711 - وقد حدثنا بكار بن قتيبة أيضا ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج ، ثم ذكر بإسناده مثله ، فدل ذلك على أن السرة ليست من العورة ، وكان ذلك في السرة مما قد قامت الحجة فيه ، أنه أولى مما قاله أبو موسى فيه ، وقد خالف أبا موسى في ذلك أيضا ثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم الحسن بن علي رضي الله عنه ، وعبد الله بن عمر وأبو هريرة .

[ ص: 414 ]

1712 - كما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا عثمان بن عمر ، عن ابن عون ، عن { عمير بن إسحاق ، قال : كنت مع الحسن بن علي ، فلقيه أبو هريرة ، فقال : ادن مني حتى أقبل منك حيث رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبله منك فرفع ثوبه فقبل سرته } .

وكما حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا ابن عون ، عن قدامة بن موسى ، عن أبيه ، قال : كان عبد الله بن عمر يأتينا في الجامع ، فأتانا وقد اتزرت أزرة الفتيان ، فعلق أصبعه في إزاري حتى طأطأه تحت السرة ، فكان هذا هو الأولى في ذلك عندنا ، مما روي عن أبي موسى مما يخالفه ؛ لأن السرة بالصدر أشبه منها بالعورة ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية