الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          اتجه فرعون من بعد ذلك إلى السؤال عن رب العالمين: قال فرعون وما رب العالمين قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين قال لمن حوله ألا تستمعون قال ربكم ورب آبائكم الأولين ؛ الاستفهام من فرعون عن الذات العلية يتعرف ماهيتها وحقيقتها؛ فالاستفهام بـ " ما " ؛ يدل على ذلك؟ أي: ما هو؟ ما ذاته؟ قال موسى - مجيبا؛ إجابة هادية مرشدة إلى أن الذات لا يستفسر عنها؛ إنما يعرف رب العالمين بخلقه - فقال: رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين ؛ و رب السماوات والأرض ؛ تتضمن أنه خالقهما وموجدهما والقائم عليهما؛ كما قال (تعالى): إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ؛ وما بينهما هو الفضاء القائم؛ والذي يكون فيه السحاب وينزل منه المطر؛ وذكر السماوات فيه إشارة إلى أن الله رب الشمس؛ التي كانوا يعبدونها باطلا؛ باسم " رع " ؛ إن كنتم موقنين ؛ أي: إن كنتم تريدون الحق الذي تسيرون عليه في طريق اليقين والإذعان؛ ولكن فرعون خشي على قومه من أن يتأثروا بقول موسى الكليم؛ فأراد أن ينبههم إلى سلطانه؛ قال لمن حوله ألا تستمعون ؛ النص تحريض منه لمن حوله على الاستماع والتأمل؛ وهو جدير بالنظر والتفكر؛ موهما لهم أن ذلك لا يناقض ألوهيته؛ ولا يعارضها؛ ولكنه جدير بالنظر؛ وقد يكون ذلك استنكارا لأن يكون لأجرام السماوات والأرض موجه غيره؛ [ ص: 5348 ] مما جعل موسى - عليه السلام - يوجه للتعريف برب العالمين إلى مقام آخر؛ يبين عظم ربوبيته على الماضين والحاضرين؛ وإنكم وفرعون لستم إلا طبقة من طبقات الوجود الإنساني: قال ربكم ورب آبائكم الأولين التفت فرعون لمن حوله كأنه ينبههم إلى إنكار موسى لألوهيته المقررة الثابتة عندهم؛ فنبههم موسى - أولا - إلى أن الله ربكم الذي خلقكم وأنشأكم؛ وخلق آباءكم الأولين؛ ورباهم؛ وكونهم؛ فهل فرعون خلق وقدر؛ وهو المخلوق الذي لا يخلق؛ ولا يقدر؛ و- ثانيا - إلى أن الله رب آبائكم الأولين؛ قبل أن يوجد فرعون؛ و- ثالثا - إلى أن الرب يجب أن يكون قديما؛ باقيا؛ وألا يكون محدثا فانيا؛ كفرعون.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية