الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          المعجزة

                                                          فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونـزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين قال للملإ حوله إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون ؛ الفاء عاطفة؛ تفيد الترتيب والتعقيب؛ أي أنه بمجرد أن طلب الدليل جاءه تباعا؛ معقبا للطلب؛ وكان الجواب عملا؛ وليس قولا؛ ألقى عصاه في الأرض؛ فإذا هي ثعبان؛ " إذا " ؛ للمفاجأة؛ أي: فوجئ الناظر؛ فوجدها ثعبانا مبينا؛ أي: واضحا؛ بينا؛ وأتبعه بمعجزة أخرى؛ وأخرج يده؛ ففوجئ أيضا بأنها بيضاء للناظرين؛ وكان قد أخرجها من جيبه؛ فإذا هي بيضاء من غير سوء؛ كما قال (تعالى) - في سورة " القصص " -: اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين

                                                          ويظهر أنه لم تكن يده في أصل خلقته بيضاء ناصعة البياض؛ فتغير لونها - مفاجأة - إلى ناصعة؛ يعد معجزة حسية في ذاتها؛ وهي تومئ إلى أن يده ستكون مقدم خير على بني إسرائيل؛ وعلى مصر؛ إذ تكون قاضية على طغيان فرعون؛ ثانيا: حيرت المعجزة؛ أو المعجزتان؛ فرعون؛ فرمى موسى بأنه ساحر ماهر عليم بالسحر؛ وأنه يريد بهذا السحر أن يخرج أهل مصر من أرضهم. [ ص: 5351 ]

                                                          قال للملإ حوله إن هذا لساحر عليم ؛ ثم أثار نخوتهم الوطنية؛ أو العداوة التي كانت بينهم وبين الهكسوس؛ فقال: يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون ؛ حمله فرعون - حماية لطغيانه - أمرين؛ الأمر الأول: أنه بهذا لا يريد هداية وتعليما وإرشادا وإصلاحا؛ ولكن يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره؛ والإخراج يكون بألا يكون لكم سلطان في الأرض؛ بل يكون الأمر لغيركم وتكونون عبيدا تعيشون على هامش الحياة فيها؛ الأمر الثاني: أن يكون له سلطان عليكم؛ وذلك ذهاب لسلطانكم؛ وإخراج لكم من دياركم؛ وإن ذلك كله بسحره؛ وهذا ينبئ عن الفزع؛ ولكنه فزع يتصور الويل والثبور وعظائم الأمور؛ وإلا ما كان السحر ذاته مزيلا للملك؛ ومخرجا من الديار.

                                                          وإنه في هذا يستحث قومه على معاندة موسى؛ وألا يميلوا كل الميل له؛ لأنه عدو الديار؛ ويكل الأمر إليهم: فماذا تأمرون ؛ يطلب استشارتهم؛ متطامنا؛ خاضعا؛ وقد أحس أن الأمر يخرج عن سلطانه؛ فيقول في استشارتهم: فماذا تأمرون؟ أي: ما الذي تأمرون به؟ وإني أنفذه.

                                                          أجابوا عن ذلك بأنهم يستفزون الشعب كله؛ وكأنهم توهموا أن في سحر موسى ما يخرج من الديار؛

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية