الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          باب العين والقاف وما يثلثهما في الثلاثي

                                                          ( عقل ) العين والقاف واللام أصل واحد منقاس مطرد ، يدل عظمه على حبسة في الشيء أو ما يقارب الحبسة . من ذلك العقل ، وهو الحابس عن ذميم القول والفعل .

                                                          قال الخليل : العقل : نقيض الجهل . يقال عقل يعقل عقلا ، إذا عرف ما كان يجهله قبل ، أو انزجر عما كان يفعله . وجمعه عقول . ورجل عاقل وقوم عقلاء . وعاقلون . ورجل عقول ، إذا كان حسن الفهم وافر العقل . وما له معقول ، أي عقل ; خرج مخرج المجلود للجلادة ، والميسور لليسر . قال :

                                                          [ ص: 70 ]

                                                          فقد أفادت لهم عقلا وموعظة لمن يكون له إرب ومعقول



                                                          ويقال في المثل : " رب أبله عقول " . ويقولون : " علم قتيلا وعدم معقولا " . ويقولون : فلان عقول للحديث ، لا يفلت الحديث سمعه ، ومن الباب المعقل والعقل ، وهو الحصن ، وجمعه عقول . قال أحيحة :


                                                          وقد أعددت للحدثان صعبا     لو أن المرء تنفعه العقول



                                                          يريد الحصون .

                                                          ومن الباب العقل ، وهي الدية . يقال : عقلت القتيل أعقله عقلا ، إذا أديت ديته . قال :


                                                          إني وقتلي سليكا ثم أعقله     كالثور يضرب لما عافت البقر



                                                          الأصمعي : عقلت القتيل : أعطيت ديته . وعقلت عن فلان ، إذا غرمت جنايته . قال : وكلمت أبا يوسف القاضي في ذلك بحضرة الرشيد ، فلم يفرق بين عقلته وعقلت عنه ، حتى فهمته .

                                                          والعاقلة : القوم تقسم عليهم الدية في أموالهم إذا كان قتيل خطأ . وهم بنو عم القاتل الأدنون وإخوته . قال الأصمعي : صار دم فلان معقلة على قومه ، أي صاروا يدونه .

                                                          [ ص: 71 ] ويقول بعض العلماء : إن المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث ديتها . يعنون أن موضحتها وموضحته سواء ، فإذا بلغ العقل ما يزيد على ثلث الدية صارت دية المرأة على نصف دية الرجل .

                                                          وبنو فلان على معاقلهم التي كانوا عليها في الجاهلية ، يعني مراتبهم في الديات ، الواحدة معقلة . قالوا أيضا : وسميت الدية عقلا لأن الإبل التي كانت تؤخذ في الديات كانت تجمع فتعقل بفناء المقتول ، فسميت الدية عقلا وإن كانت دراهم ودنانير . وقيل سميت عقلا لأنها تمسك الدم .

                                                          قال الخليل : إذا أخذ المصدق صدقة الإبل تامة لسنة قيل : أخذ عقالا ، وعقالين لسنتين . ولم يأخذ نقدا ، أي لم يأخذ ثمنا ، ولكنه أخذ الصدقة على ما فيها . وأنشد :


                                                          سعى عقالا فلم يترك لنا سبدا     فكيف لو قد سعى عمرو عقالين



                                                          وأهل اللغة يقولون : إن الصدقة كلها عقال . يقال : استعمل فلان على عقال بني فلان ، أي على صدقاتهم . قالوا : وسميت عقالا لأنها تعقل عن صاحبها الطلب بها وتعقل عنه المأثم أيضا .

                                                          وتأولوا قول أبي بكر لما منعت العرب الزكاة : " والله لو منعوني عقالا مما [ ص: 72 ] أدوه إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لقاتلتهم عليه " ، فقالوا : أراد به صدقة عام ، وقالوا أيضا : إنما أراد بالعقال الشيء التافه الحقير ، فضرب العقال الذي يعقل به البعير لذلك مثلا . وقيل إن المصدق كان إذا أعطى صدقة إبله أعطى معها عقلها وأرويتها .

                                                          قال الأصمعي : عقل الظبي يعقل عقولا ، إذا امتنع في الجبل . ويقال : عقل الطعام بطنه ، إذا أمسكه . والعقول من الدواء : ما يمسك البطن . قال : ويقال : اعتقل رمحه ، إذا وضعه بين ركابه وساقه . واعتقل شاته ، إذا وضع رجلها بين فخذه وساقه فحلبها . ولفلان عقلة يعتقل بها الناس ، إذا صارعهم عقل أرجلهم . ويقال عقلت البعير أعقله عقلا ، إذا شددت يده بعقاله ، وهو الرباط . وفي أمثالهم :


                                                          الفحل يحمي شوله معقولا



                                                          واعتقل لسان فلان ، إذا احتبس عن الكلام .

                                                          فأما قولهم : فلانة عقيلة قومها ، فهي كريمتهم وخيارهم . ويوصف بذلك السيد أيضا فيقال : هو عقيلة قومه . وعقيلة كل شيء : أكرمه . والدرة : عقيلة البحر . قال ابن قيس الرقيات :


                                                          درة من عقائل البحر بكر     لم يشنها مثاقب اللآل



                                                          [ ص: 73 ] وذكر قياس هذا عن ابن الأعرابي ، قالوا عنه : إنما سميت عقيلة لأنها عقلت صواحبها عن أن يبلغنها . وقال الخليل : بل معناه عقلت في خدرها . قال امرؤ القيس :


                                                          عقيلة أخدان لها لا دميمة     ولا ذات خلق أن تأملت جأنب

                                                          قال أبو عبيدة : العقيلة ، الذكر والأنثى سواء . قال :


                                                          بكر يبذ البزل والبكارا     عقيلة من نجب مهارى



                                                          ومن هذا الباب : العقل في الرجلين : اصطكاك الركبتين ، يقال : بعير أعقل ، وقد عقل عقلا . وأنشد :


                                                          أخو الحرب لباس إليها جلالها     وليس بولاج الخوالف أعقلا



                                                          والعقال : داء يأخذ الدواب في الرجلين ، وقد يخفف . ودابة معقولة وبها عقال ، إذا مشت كأنها تقلع رجليها من صخرة . وأكثر ما يكون في ذلك في الشاء .

                                                          قال أبو عبيدة : امرأة عقلاء ، إذا كانت حمشة الساقين ضخمة العضلتين . قال الخليل : العاقول من النهر والوادي ومن الأمور أيضا : ما التبس واعوج .

                                                          وذكر عن ابن الأعرابي ، ولم نسمعه سماعا ، أن العقال : البئر القريبة القعر ، سميت عقالا لقرب مائها ، كأنها تستقى بالعقال ، وقد ذكر ذلك عن أبي عبيدة أيضا .

                                                          ومما يقرب من هذا الباب العقنقل من الرمل ، وهو ما ارتكم منه; وجمعه عقاقيل ، وإنما سمي بذلك لارتكامه وتجمعه . ومنه عقنقل الضب : مصيره .

                                                          [ ص: 74 ] ويقولون : " أطعم أخاك من عقنقل الضب " ، يتمثل به . ويقولون إنه طيب . فأما الأصمعي فإنه قال : إنه يرمى به ، ويقال : " أطعم أخاك من عقنقل الضب " استهزاء . قالوا : وإنما سمي عقنقلا لتحويه وتلويه ، وكل ما تحوى والتوى فهو عقنقل ، ومنه قيل لقضبان الكرم : عقاقيل ، لأنها ملتوية . قال :

                                                          نجذ رقاب القوم من كل جانب كجذ عقاقيل الكروم خبيرها

                                                          فأما الأسماء التي جاءت من هذا البناء ولعلها أن تكون منقاسة ، فعاقل : جبل بعينه . قال :


                                                          لمن الديار برامتين فعاقل     درست وغير آيها القطر

                                                          قال أبو عبيدة : بنو عاقل رهط الحارث بن حجر ، سموا بذلك لأنهم نزلوا عاقلا ، وهم ملوك .

                                                          ومعقلة : مكان بالبادية . وأنشد :


                                                          وعين كأن البابليين لبسا     بقلبك منها يوم معقلة سحرا



                                                          وقال أوس :


                                                          فبطن السلي فالسخال تعذرت     فمعقلة إلى مطار فواحف



                                                          قال الأصمعي : بالدهناء خبراء يقال لها معقلة .

                                                          [ ص: 75 ] وذو العقال : فرس معروف . وأنشد :


                                                          فكأنما مسحوا بوجه حمارهم     بالرقمتين جبين ذي العقال



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية