الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا أن مخففة من الثقيلة، وهو من جملة الموحى. والمعنى: وأوحي إلي أن الشأن والحديث لو استقام الجن على الطريقة المثلى، أي: لو ثبت أبوهم الجان على ما كان عليه من عبادة الله والطاعة ولم يستكبر عن السجود لآدم ولم يكفر وتبعه ولده على الإسلام، لأنعمنا عليهم ولوسعنا رزقهم. وذكر الماء الغدق وهو الكثير بفتح الدال وكسرها. وقرئ بهما، لأنه أصل المعاش وسعة الرزق.

                                                                                                                                                                                                لنفتنهم فيه لنختبرهم فيه كيف يشكرون ما خولوا منه. ويجوز أن يكون معناه: وأن لو استقام الجن الذين استمعوا على طريقتهم التي كانوا عليها قبل الاستماع ولم ينتقلوا عنها إلى الإسلام لوسعنا عليهم الرزق مستدرجين لهم، لنفتنهم فيه: لتكون النعمة سببا في اتباعهم شهواتهم، ووقوعهم في الفتنة، وازديادهم إثما; أو لنعذبهم في كفران النعمة عن ذكر ربه عن عبادته أو عن موعظته أو عن وحيه يسلكه وقرئ بالنون مضمومة ومفتوحة، أي: ندخله عذابا والأصل: نسلكه في عذاب، كقوله: ما سلككم في سقر [المدثر: 42]. فعدي إلى مفعولين: إما بحذف الجار وإيصال الفعل، كقوله: واختار موسى قومه [الأعراف: 155]. وإما بتضمينه معنى "ندخله" يقال: سلكه وأسلكه قال: [من البسيط]:


                                                                                                                                                                                                حتى إذا أسلكوهم في قتائدة ........................



                                                                                                                                                                                                [ ص: 231 ] والصعد: مصدر صعد، يقال: صعد صعدا وصعودا، فوصف به العذاب، لأنه يتصعد المعذب؛ أي يعلوه ويغلبه فلا يطيقه. ومنه قول عمر رضي الله عنه: ما تصعدني شيء ما تصعدتني خطبة النكاح، يريد: ما شق علي ولا غلبني.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية