الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        فصل في الدين المشترك .

                                                                                                        قال : ( وإذا كان الدين بين شريكين فصالح أحدهما من نصيبه على ثوب [ ص: 215 ] فشريكه بالخيار إن شاء اتبع الذي عليه الدين بنصفه وإن شاء أخذ نصف الثوب إلا أن يضمن له شريكه ربع الدين ) وأصل هذا أن الدين المشترك بين اثنين إذا قبض أحدهما شيئا منه فلصاحبه أن يشاركه في المقبوض ; لأنه ازداد بالقبض إذ مالية الدين باعتبار عاقبة القبض ، وهذه الزيادة راجعة إلى أصل الحق فتصير كزيادة الولد والثمرة فله حق المشاركة ، ولكنه قبل المشاركة باق على ملك القابض ; لأن العين غير الدين حقيقة وقد قبضه بدلا عن حقه ، فيملكه حتى ينفذ تصرفه فيه ويضمن لشريكه حصته ، والدين المشترك يكون واجبا بسبب متحد كثمن المبيع إذا كان صفقة واحدة وثمن المال المشترك والموروث بينهما ، وقيمة المستهلك المشترك . إذا عرفنا هذا فنقول : في مسألة الكتاب له أن يتبع الذي عليه الأصل ; لأن نصيبه باق في ذمته ; لأن القابض قبض نصيبه لكن له حق المشاركة وإن شاء أخذ نصف الثوب ; لأن له حق المشاركة إلا أن يضمن له شريكه ربع الدين ; لأن حقه في ذلك .

                                                                                                        قال : ( ولو استوفى أحدهما نصف نصيبه من الدين كان لشريكه أن يشاركه فيما قبض ) لما قلنا ( ثم يرجعان على الغريم بالباقي ) ; لأنهما لما اشتركا في المقبوض لا بد أن يبقى الباقي على الشركة .

                                                                                                        قال : ( ولو اشترى أحدهما بنصيبه من الدين سلعة كان لشريكه أن يضمنه ربع الدين ) ; لأنه صار قابضا حقه بالمقاصة كاملا ; لأن مبنى البيع على المماكسة بخلاف الصلح ; لأن مبناه على الإغماض والحطيطة فلو ألزمناه دفع ربع الدين يتضرر به فيتخير القابض كما ذكرناه ولا سبيل للشريك على الثوب في البيع ; لأنه ملكه بعقده والاستيفاء بالمقاصة بين ثمنه وبين الدين ، وللشريك أن يتبع الغريم في جميع ما ذكرنا ; لأن حقه في ذمته باق ; لأن القابض استوفى نصيبه حقيقة لكن له حق المشاركة فله أن لا يشاركه ، فلو سلم له ما قبض ثم نوى ما على الغريم له أن يشارك القابض ; لأنه رضي بالتسليم ليسلم له ما في ذمة الغريم ولم يسلم ، ولو وقعت المقاصة بدين كان عليه من قبل لم يرجع عليه الشريك [ ص: 216 ] لأنه قابض بنصيبه لا مقتض ولو أبرأه عن نصيبه فكذلك ; لأنه إتلاف وليس بقبض ، ولو أبرأه عن البعض كانت قسمة الباقي على ما يبقى من السهام ، ولو أخر أحدهما عن نصيبه صح عند أبي يوسف رحمه الله اعتبارا بالإبراء المطلق ، ولا يصح عندهما ; لأنه يؤدي إلى قسمة الدين قبل القبض ، ولو غصب أحدهما عينا منه أو اشتراه شراء فاسدا وهلك في يده فهو قبض والاستئجار بنصيبه قبض ، وكذا الإحراق عند محمد رحمه الله خلافا لأبي يوسف رحمه الله ، والتزوج به إتلاف في ظاهر الرواية ، وكذا الصلح عليه من جناية العمد .

                                                                                                        قال : ( وإذا كان المسلم بين شريكين فصالح أحدهما من نصيبه على رأس المال لم يجز عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله. وقال أبو يوسف رحمه الله : يجوز الصلح ) اعتبارا بسائر الديون ، وبما إذا اشتريا عبدا فأقال أحدهما في نصيبه . ولهما أنه لو جاز في نصيبه خاصة يكون قسمة الدين في الذمة ولو جاز في نصيبهما لا بد من إجازة الآخر بخلاف شراء العين ، وهذا ; لأن المسلم فيه صار واجبا بالعقد والعقد قام بهما فلا ينفرد أحدهما برفعه ; ولأنه لو جاز لشاركه في المقبوض فإذا شاركه فيه رجع المصالح على من عليه بذلك فيؤدي إلى عود السلم بعد سقوطه قالوا : هذا إذا خلطا رأس المال فإن لم يكونا قد خلطاه فعلى الوجه الأول هو على الخلاف وعلى الوجه الثاني هو على الاتفاق .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الخدمات العلمية