الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 239 ] بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      80 - سورة عبس .

                                                                                                                                                                                                                                      مكية وآياتها اثنتان وأربعون .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن الضريس والنحاس، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : نزلت سورة عبس بمكة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن الضريس عن أبي وائل : أن وفد بني أسد أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من أنتم؟ فقالوا : نحن بنو الزينة أحلاس الخيل فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أنتم بنو رشدة فقال الحضرمي بن عامر : والله لا نكون كبني المحولة وهم بنو عبد الله بن غطفان كان يقال لهم بنو عبد العزى بن غطفان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي : هل تقرأ من القرآن شيئا قال : نعم فقال : اقرأه فقرأ من عبس وتولى ما شاء الله أن يقرأ ثم قال : وهو الذي من على الحبلى فأخرج منها نسمة تسعى بين شراسيف وحشا، فقال النبي [ ص: 240 ] صلى الله عليه وسلم لا تزد فيها فإنها كافية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن النجار عن أنس قال : استأذن العلاء بن يزيد الحضرمي على النبي صلى الله عليه وسلم فأذن له فتحدثا طويلا ثم قال له : يا علاء تحسن من القرآن شيئا قال : نعم ثم قرأ عليه عبس حتى ختمها فانتهى إلى آخرها وزاد فيها من عنده : وهو الذي أخرج من الحبلى نسمة تسعى من بين شراسيف وحشا فصاح به النبي صلى الله عليه وسلم : يا علاء انته فقد انتهت السورة قوله تعالى : عبس وتولى الآيات . أخرج الترمذي وحسنه، وابن المنذر، وابن حبان والحاكم وصححه، وابن مردويه عن عائشة قالت : أنزلت عبس وتولى في ابن أم مكتوم الأعمى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول : يا رسول الله أرشدني وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقبل على الآخر ويقول أترى بما أقول بأسا فيقول لا ففي هذا أنزلت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر، وابن مردويه عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس من ناس من وجوه قريش منهم أبو جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة [ ص: 241 ] فيقول لهم أليس حسنا أن جئت بكذا وكذا فيقولون : بلى والله فجاء ابن أم مكتوم وهو مشتغل بهم فسأله فأعرض عنه فأنزل الله أما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى يعني ابن أم مكتوم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد وأبو يعلى عن أنس قال : جاء ابن أم مكتوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يكلم أبي بن خلف فأعرض عنه فأنزل الله عبس وتولى أن جاءه الأعمى فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه عن ابن عباس قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يناجي عتبة بن ربيعة والعباس بن عبد المطلب وأبا جهل بن هشام وكان يتصدى لهم كثيرا وجعل عليهم أن يؤمنوا فأقبل إليه رجل أعمى يقال له عبد الله بن أم مكتوم يمشي وهو يناجيهم فجعل عبد الله يستقرئ النبي صلى الله عليه وسلم آية من القرآن، قال يا رسول الله : علمني مما علمك الله فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبس في وجهه وتولى وكره كلامه وأقبل على الآخرين، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم نجواه وأخذ ينقلب إلى أهله أمسك الله ببعض بصره ثم خفق برأسه ثم أنزل الله عبس وتولى أن جاءه الأعمى فلما نزل فيه ما نزل أكرمه نبي الله وكلمه يقول له : ما [ ص: 242 ] حاجتك هل تريد من شيء؟

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر عن أبي مالك في قوله : عبس وتولى أن جاءه الأعمى قال : جاءه عبد الله بن أم مكتوم فعبس في وجهه وتولى وكان يتصدى لأمية بن خلف فقال الله : أما من استغنى فأنت له تصدى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن الحكم قال : ما رئي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية متصديا لغني ولا معرضا عن فقير .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من الوحي كتم هذا عن نفسه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني، وابن مردويه عن أبي أمامة قال : أقبل ابن أم مكتوم الأعمى وهو الذي نزلت فيه عبس وتولى أن جاءه الأعمى فقال : يا رسول الله أنا كما ترى قد كبرت سني ورق عظمي وذهب بصري ولي قائد لا يلائمني قياده إياي فهل تجد لي من رخصة أصلي الصلوات الخمس في بيتي قال : هل تسمع المؤذن قال : نعم قال : ما أجد لك من رخصة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 243 ] وأخرج ابن مردويه عن كعب بن عجرة : أن الأعمى الذي أنزل الله فيه عبس وتولى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني أسمع النداء ولعلي لا أجد قائدا فقال : إذا سمعت النداء فأجب داعي الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد في قوله : أن جاءه الأعمى قال : رجل من بني فهر اسمه عبد الله بن أم مكتوم أما من استغنى قال : عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأمية بن خلف .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن سعد، وابن المنذر عن الضحاك في قوله : عبس وتولى قال : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي رجلا من أشراف قريش فدعاه إلى الإسلام فأتى عبد الله بن أم مكتوم فجعل يسأله عن أشياء من أمر الإسلام فعبس في وجهه فعاتبه الله في ذلك فلما نزلت هذه الآية دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم فأكرمه واستخلفه على المدينة مرتين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم وصححه، وابن مردويه في شعب الإيمان عن مسروق قال : دخلت على عائشة وعندها رجل مكفوف تقطع له الأترج وتطعمه إياه بالعسل فقلت : من هذا يا أم المؤمنين؟ فقالت : هذا ابن أم مكتوم الذي عاتب الله فيه نبيه صلى الله عليه وسلم قالت : أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده عتبة وشيبة فأقبل [ ص: 244 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما فنزلت عبس وتولى أن جاءه الأعمى ابن أم مكتوم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم مستخليا بصنديد من صناديد قريش وهو يدعوه إلى الله وهو يرجو أن يسلم إذ أقبل عبد الله بن أم مكتوم الأعمى فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم كره مجيئه وقال في نفسه : يقول هذا القرشي إنما أتباعه العميان والسفلة والعبيد فعبس فنزل الوحي عبس وتولى إلى آخر الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية