الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 220 ] كتاب المضاربة .

                                                                                                        المضاربة : مشتقة من الضرب في الأرض سمي بها ; لأن المضارب يستحق الربح بسعيه وعمله . وهي مشروعة للحاجة إليها ، فإن الناس بين غني بالمال غبي عن التصرف فيه ، وبين مهتد في التصرف صفر اليد عنه ، فمست الحاجة إلى شرع هذا النوع من التصرف ، لينتظم مصلحة الغبي والذكي والفقير والغني ، { وبعث النبي صلى الله عليه وسلم والناس يباشرونه فقررهم عليه }وتعاملت به الصحابة ثم المدفوع إلى المضارب أمانة في يده ; لأنه قبضه بأمر مالكه لا على وجه البدل والوثيقة وهو وكيل فيه ; لأنه يتصرف فيه بأمر مالكه ، وإذا ربح فهو شريك فيه لتملكه جزءا من المال بعمله فإذا فسدت ظهرت الإجارة حتى استوجب العامل أجر مثله ، وإذا خالف كان غاصبا لوجود التعدي منه على مال غيره . قال : ( المضاربة عقد على الشركة بمال من أحد الجانبين ) ومراده الشركة في الربح وهو يستحق بالمال من أحد الجانبين ( والعمل من الجانب الآخر ) ولا مضاربة بدونها . ألا ترى أن الربح لو شرط كله لرب المال كان بضاعة ، ولو شرط جميعه للمضارب كان قرضا .

                                                                                                        قال : ( ولا تصح إلا بالمال الذي تصح به الشركة ) وقد تقدم بيانه من قبل ، ولو دفع إليه عرضا وقال بعه واعمل مضاربة في ثمنه جاز ; لأنه يقبل الإضافة من حيث إنه توكيل وإجارة فلا مانع من الصحة ، وكذا إذا قال له [ ص: 221 ] اقبض مالي على فلان واعمل به مضاربة جاز لما قلنا ; بخلاف ما إذا قال له اعمل بالدين الذي في ذمتك حيث لا تصح المضاربة ; لأن عند أبي حنيفة رحمه الله لا يصح هذا التوكيل على ما مر في البيوع . وعندهما يصح لكن يقع الملك في المشترى للأمر فيصير مضاربة بالعرض

                                                                                                        [ ص: 219 - 220 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 219 - 220 ] كتاب المضاربة

                                                                                                        حديث : { أنه عليه السلام بعث ، والناس يتعاملون بها ، فقررهم عليها }; قلت : قوله : وروي أن الصحابة تعاملوا بها ; قلت : روى مالك في " الموطإ " عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عبد الله ، وعبيد الله ابني عمر بن الخطاب ، خرجا إلى العراق ، فأعطاهما أبو موسى الأشعري من مال الله على أن يبتاعا به متاعا ، ويبيعاه بالمدينة ، ويؤديا رأس المال لأمير المؤمنين والربح لهما ، فلما قدما المدينة ربحا ، فقال عمر : أكل الجيش [ ص: 221 ] أسلفه كما أسلفكما ؟ قالا : لا ، فقال ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما ، أديا المال وربحه ، فراجعه عبيد الله ، وقال : ما ينبغي هذا يا أمير المؤمنين ، لو هلك المال ، أو نقص لضمناه ، فقال له بعض جلسائه : لو جعلته قراضا ، فأخذ عمر المال ونصف ربحه ، وأعطاهما النصف انتهى .

                                                                                                        وعن مالك رواه الشافعي في " مسنده " ، ومن طريق الشافعي رواه البيهقي في " المعرفة " ، وأخرجه الدارقطني في " سننه في البيوع " عن عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده ، فذكره . [ ص: 222 ] أثر آخر : أخرجه مالك أيضا عن يعقوب الجهني أنه عمل في مال لعثمان على أن الربح بينهما انتهى .

                                                                                                        قال مالك : أخبرنا العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن جده ، فذكره . أثر آخر : أخرجه الدارقطني عن حيوة ، وابن لهيعة قالا : ثنا أبو الأسود عن عروة بن الزبير [ ص: 223 ] وغيره أن حكيم بن حزام صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشرط على الرجل إذا أعطاه مالا مقارضة ، يضرب له به ، أن لا تجعل مالي في كبد رطبة ، ولا تحمله في بحر ، ولا تنزل به في بطن مسيل ، فإن فعلت شيئا من ذلك فقد ضمنت مالي انتهى .

                                                                                                        أثر آخر : للبيهقي أن ابن عمر كان يزكي مال اليتيم ، ويعطيه مضاربة ، ويستقرض فيه . أثر آخر : وأخرج عن جابر أنه لم ير بالقراض بأسا . أثر آخر : وضعف سنده ، { أن العباس كان إذا دفع مالا مضاربة اشترط على صاحبه أن لا يسلك به بحرا ، ولا ينزل به واديا ، ولا يشتري به ذات كبد رطبة ، فإن فعل فهو ضامن ، فرفع الشرط إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجازه }انتهى .

                                                                                                        أثر آخر : أخرجه البيهقي في " المعرفة " من طريق الشافعي أنه بلغه عن حميد بن عبد الله بن عبيد الأنصاري عن أبيه عن جده أن عمر بن الخطاب أعطي مال يتيم مضاربة ، وكان يعمل به بالعراق ، ولا يدرى كيف قاطعه على الربح . أثر آخر : وأخرجه أيضا عن عبد الله بن علي عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه أن عثمان أعطى مالا مقارضة يعني مضاربة . أثر آخر : أخرج أيضا عن حماد عن إبراهيم أن ابن مسعود أعطى زيد بن خلدة مالا مقارضة .




                                                                                                        الخدمات العلمية