الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 432 ] 285 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إطلاقه لأسلم أن يبدوا في الشعاب والأودية بعد بيعتهم إياه قبل ذلك على الهجرة .

1731 - حدثنا فهد بن سليمان وعلي بن عبد الرحمن بن المغيرة ، قالا : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، قال : حدثنا يحيى بن أيوب ، عن ابن حرملة - وهو عبد الرحمن - قال : حدثني محمد بن عبد الله بن الحصين ، أنه سمع عبد الله بن جرهد ، هكذا قال فهد في حديثه ، وقال علي في حديثه : إنه سمع عمر بن عبد الله بن جرهد ، ثم اجتمعا جميعا فقالا يقول : سمعت رجلا يقول لجابر بن عبد الله : من بقي معك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : بقي أنس بن مالك وسلمة بن الأكوع ، فقال رجل : أما سلمة فقد ارتد عن هجرته ، فقال جابر : لا تقل ذلك ؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { ابدوا يا أسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا نخاف أن نرتد عن هجرتنا ، فقال : ابدوا فأنتم مهاجرون حيث كنتم } .

[ ص: 433 ]

[ ص: 434 ]

1732 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا يحيى بن أيوب ، عن ابن حرملة ، عن محمد بن إياس بن سلمة بن الأكوع ، أن أباه حدثه ، { أن سلمة بن الأكوع قدم المدينة فلقيه بريدة بن حصيب ، فقال : ارتددت عن هجرتك يا سلمة ، فقال : معاذ الله ، إني في إذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ابدوا يا أسلم ، انتسموا الرياح ، واسكنوا الشعاب ، فقالوا : إنا نخاف أن يضرنا ذلك في هجرتنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنتم مهاجرون حيث كنتم } .

1733 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ، قال : حدثنا أبو معشر البراء ، قال أبو جعفر : أبو [ ص: 435 ] معشر يوسف بن يزيد البراء براء العود ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن حرملة ، عن محمد بن إياس بن سلمة ، قال : حدثني أبي ، قال : { قدم سلمة بن الأكوع المدينة فلقيه بريدة ، فقال : يا سلمة ارتدت هجرتك ، قال : معاذ الله ، إني في إذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ابدوا يا أسلم فاسكنوا الشعاب قالوا : يا رسول الله ، إنا نخاف أن يضرنا ذلك في هجرتنا ، قال : أنتم مهاجرون حيث ما كنتم } .

فقال قائل : ففيما رويت خروج أسلم من الإقامة بدار الهجرة إلى الدار الأعرابية وهذا خلاف ما رويته مما يوجبه ما رويته في الباب الذي قبل هذا الباب .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله وعونه ، أن الذي رويناه في الباب الذي قبل هذا الباب من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المرتد أعرابيا بعد هجرته ، هو عندنا - والله أعلم - على المرتد كذلك ارتدادا يخرج به من الهجرة التي توجب عليه الطاعة إلى الأعرابية التي لا طاعة معها ، وأسلم لم يكونوا كذلك بل كانوا على خلافه مما قد بينه عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روته عنه عائشة .

1734 - كما حدثنا الربيع بن سليمان الأزدي ، قال : حدثنا سعيد بن كثير بن عفير ، قال : حدثنا سليمان بن بلال ، عن عبد الرحمن بن حرملة ، عن عبد الله بن نيار ، عن عروة ، عن عائشة قالت : { قدمت أم سنبلة الأسلمية ومعها وطب من لبن [ ص: 436 ] تهديه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعته عندي ومعها قدح لها ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : مرحبا وأهلا يا أم سنبلة ، فقالت : بأبي أنت وأمي أهديت لك هذا الوطب ، قال : بارك الله عليك صبي لي في هذا القدح ، فصبت له في القدح ، فلما أخذه قلت : قد قلت : لا أقبل هدية من أعرابي ، قال : أعراب أسلم يا عائشة إنهم ليسوا بأعراب ، ولكنهم أهل باديتنا ، ونحن أهل حاضرتهم إذا دعوناهم أجابوا ، وإذا دعونا أجبناهم . ثم شرب } .

[ ص: 437 ]

1735 - وكما حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا أحمد بن خالد الوهبي ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن صالح بن كيسان ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة ، ثم ذكر مثله .

1736 - وكما حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، قال : حدثنا ابن إسحاق ، ثم ذكر بإسناده مثله .

قال أبو جعفر : وفي حديث الربيع شيء ذهب عنا ذكره ليس في حديث غيره وهو : فليسوا بالأعراب ، وختم بذلك حديثه

[ ص: 438 ] قال أبو جعفر : فكان فيما رويناه من حديث عائشة هذا إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أسلم أنهم وإن كانوا قد تبدوا ، فإنهم قد كانوا يجيبون إذا دعوا إلى ما يريده رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كانوا يجيبون إلى مثل ذلك لو لم يتبدوا ، وأنهم لما كانوا كذلك كانوا كهم لو لم يتبدوا .

وكان في ذلك ما قد دل أن التبدي المذموم هو التبدي الذي لا يجيب أهله إذا دعوا ، فأما التبدي الذي هو بخلاف ذلك فهو كالمقام بالحضرة ، وقد ذكر الله عز وجل الأعراب في كتابه في موضع فذمهم وأخبر أنهم أشد كفرا ونفاقا وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله ، وذكرهم في موضع آخر من كتابه ، فوصفهم بالإيمان ، فقال : ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول .

فكان الأعراب المذمومون فيما تلونا هم الذين يغيبون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يعلموا أحكام الله الذي ينزلها عليه ولا فرائضه التي يجريها على لسانه ، وكان من هو خلافهم منهم ما ذكرهم عز وجل به من الأمور التي حمدهم عليها ، وأثنى عليهم بها ، فكان الأسلميون رضوان الله عليهم ممن دخلوا في ذلك ، فكانوا كمن لا يفارقه ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية