الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (12) قوله تعالى : ستغلبون وتحشرون قرأ الأخوان هذين الفعلين بالغيبة ، والباقون بالخطاب ، والغيبة والخطاب في مثل هذا التركيب واضحان كقولك : "قل لزيد : قم " على الحكاية ، وقل لزيد : يقوم ، وقد تقدم نحو من هذا في قوله : لا تعبدون إلا الله . وقال الشيخ في قراءة الغيبة : "الظاهر أن الضمير للذين كفروا ، وتكون الجملة إذ ذاك ليست محكية بقل ، بل محكية بقول آخر ، التقدير : قل لهم قولي سيغلبون وإخباري أنه ستقع عليهم الغلبة ، كما قال : قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف فبالتاء أخبرهم بمعنى ما أخبر به من أنهم سيغلبون ، وبالياء أخبرهم باللفظ الذي أخبر به أنهم سيغلبون " .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا الذي قاله سبقه إليه الزمخشري فأخذه منه ، ولكن عبارة [ ص: 42 ] أبي القاسم أوضح فلنوردها ، قال رحمه الله : "فإن قلت : أي فرق بين القراءتين من حيث المعنى ؟ قلت : معنى القراءة بالتاء - أي من فوق - الأمر بأن يخبرهم بما سيجري عليهم من الغلبة والحشر إلى جهنم ، فهو إخبار بمعنى ستغلبون وتحشرون فهو كائن من نفس المتوعد به ، وهو الذي يدل عليه اللفظ ، ومعنى القراءة بالياء الأمر بأن يحكي لهم ما أخبره به من وعيدهم بلفظه كأنه قال : أد إليهم هذا القول الذي هو قولي لك سيغلبون ويحشرون " .

                                                                                                                                                                                                                                      وجوز الفراء وثعلب أن يكون الضمير في "سيغلبون ويحشرون " لكفار قريش ، ويراد بالذين كفروا اليهود ، والمعنى : قل لليهود : "ستغلب قريش " ، هذا إنما يتجه على قراءة الغيبة فقط . قال مكي : "ويقوي القراءة بالياء - أي : من تحت - إجماعهم على الياء في قوله : قل للذين كفروا إن ينتهوا ، قال : " والتاء - يعني من فوق - أحب إلي لإجماع الحرميين وعاصم وغيرهم على ذلك "قلت : ومثل إجماعهم على قوله : قل للذين كفروا إن ينتهوا إجماعهم على قوله : قل للمؤمنين يغضوا قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الفراء : " من قرأ بالتاء جعل اليهود والمشركين داخلين في الخطاب ، ثم يجوز في هذا المعنى الياء والتاء ، كما تقول في الكلام : "قل لعبد الله : إنه قائم وإنك قائم " ، وفي حرف عبد الله : قل للذين كفروا إن [ ص: 43 ] ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ، ومن قرأ بالياء فإنه ذهب إلى مخاطبة اليهود ، وأن الغلبة تقع على المشركين ، كأنه قيل : قل يا محمد لليهود سيغلب المشركون ويحشرون ، فليس يجوز في هذا المعنى إلا الياء لأن المشركين غيب .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : وبئس المهاد المخصوص بالذم محذوف أي : بئس المهاد جهنم . والحذف للمخصوص يدل على صحة مذهب سيبويه من أنه مبتدأ والجملة قبله خبره ، ولو كان كما قال غيره مبتدأ محذوف الخبر أو بالعكس لما حذف ثانيا للإجحاف بحذف سائر الجملة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية