الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب الاستتار عن الأعين للمغتسل وجواز تجرده في الخلوة

                                                                                                                                            348 - ( عن يعلى بن أمية { أن رسول الله رأى رجلا يغتسل بالبراز ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إن الله عز وجل حيي ستير يحب الحياء والستر ، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر } رواه أبو داود والنسائي ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث رجال إسناده رجال الصحيح . وقد أخرج البزار نحوه من حديث ابن عباس [ ص: 316 ] مطولا ، وقد ذكره الحافظ في الفتح ولم يتكلم عليه . وهو يدل على وجوب التستر حال الاغتسال ، وقد ذهب إلى ذلك ابن أبي ليلى ، وذهب أكثر العلماء إلى أنه أفضل وتركه مكروه وليس بواجب . واستدلوا على ذلك بما سيأتي . وقد ذهب بعض الشافعية أيضا إلى تحريمه .

                                                                                                                                            قال الحافظ : والمشهور عند متقدميهم كغيرهم الكراهة فقط . قوله : ( بالبراز ) المراد هنا الفضاء والباء للظرفية . قوله : ( ستير ) بسين مهملة مفتوحة وتاء مثناة من فوق مكسورة وياء تحتية ساكنة ثم راء مهملة . قال في النهاية : فعيل بمعنى فاعل . ومن الأدلة الدالة على استحباب الاستتار حال الغسل ما أخرجه النسائي من حديث { أبي السمح قال : كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان إذا أراد أن يغتسل قال : ولني ، فأوليه قفاي فأستره به } أخرجه النسائي .

                                                                                                                                            وما أخرجه مسلم من حديث { أم هانئ قالت : ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل ، وفاطمة رضي الله عنها تستره بثوب } ويدل على مشروعية مطلق الاستتار ما أخرجه أبو داود من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال : { قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال : احفظ عورتك إلا من زوجك أو ما ملكت يمينك ، قلت يا رسول الله فالرجل يكون خاليا ، قال : الله أحق أن يستحيا منه من الناس } .

                                                                                                                                            349 - ( وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { بينا أيوب عليه السلام يغتسل عريانا فخر عليه جراد من ذهب فجعل أيوب يحثي في ثوبه ، فناداه ربه تبارك وتعالى : يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى ؟ قال : بلى وعزتك ولكن لا غنى بي عن بركتك } رواه أحمد والبخاري والنسائي ) .

                                                                                                                                            قوله : ( يحثي ) في رواية البخاري يحتثي ، والحثية هي الأخذ باليد . قوله : ( لا غنى بي ) بالقصر بلا تنوين . قال الحافظ : ورويناه بالتنوين أيضا على أن " لا " بمعنى ليس .

                                                                                                                                            قال ابن بطال : ووجه الدلالة من الحديث أن الله تعالى عاتبه على جمع الجراد ولم يعاتبه على الاغتسال عريانا ، فدل على جوازه . وقال أيضا : ووجه الاستدلال بهذا الحديث وحديث أبي هريرة الذي سيأتي أنهما : يعني أيوب وموسى ممن أمرا بالاقتداء به . قال الحافظ : وهذا إنما يأتي على رأي من يقول : شرع من قبلنا شرع لنا ، والذي يظهر أن وجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلم قص القصتين ولم يتعقب شيئا منهما فدل على موافقتهما لشرعنا ، وإلا فلو كان فيهما شيء غير موافق لبينه ، فيجمع بين الأحاديث بحمل الأحاديث التي فيها الإرشاد إلى التستر على الأفضل [ ص: 317 ]

                                                                                                                                            350 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض ، وكان موسى عليه السلام يغتسل وحده ، فقالوا : والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر ، قال : فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر ، ففر الحجر بثوبه ، قال : فجمح موسى عليه السلام بأثره يقول : ثوبي حجر ثوبي حجر حتى نظرت بنو إسرائيل إلى سوأة موسى عليه السلام فقالوا : والله ما بموسى بأس ، قال : فأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضربا } متفق عليه ) . قوله : ( كانت بنو إسرائيل ) أي جماعتهم .

                                                                                                                                            قوله : ( يغتسلون عراة ) ظاهره أن ذلك كان جائزا في شرعهم وإلا لما أقرهم موسى على ذلك ، وكان هو عليه السلام يغتسل وحده أخذا بالأفضل . قال الحافظ : وأغرب ابن بطال فقال : هذا يدل على أنهم كانوا عصاة له وتبعه على ذلك القرطبي فأطال في ذلك . قوله : ( آدر ) هو بالمد وفتح الدال المهملة وتخفيف الراء . قال الجوهري : الأدرة نفخة في الخصية .

                                                                                                                                            قوله : ( فجمح ) بالجيم ثم الميم ثم الحاء المهملة أي جرى مسرعا ، وفي رواية ( فخرج ) . قوله : ( ثوبي حجر ) إنما خاطبه ; لأنه أجراه مجرى من يعقل لكونه فر بثوبه فانتقل من حكم الجماد إلى حكم الحيوان فناداه ، فلما لم يرد عليه ثوبه ضربه . وقيل : يحتمل أن يكون المراد أراد بضربه إظهار المعجزة بتأثير ضربه فيه ، ويحتمل أن يكون عن وحي قوله : ( حتى نظرت ) ظاهره أنهم رأوا جسده ، وبه يتم الاستدلال على جواز النظر عند الضرورة . وأبدى ابن الجوزي احتمال أن يكون كان عليه مئزر ; لأنه يظهر ما تحته بعد البلل ، واستحسن ذلك ناقلا له عن بعض مشايخه . قال الحافظ : وفيه نظر . والحديث قد تقدم الكلام على وجه دلالته في الذي قبله .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية