الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإلى مفهوم ) معطوف على قوله " إلى منطوق " يعني أن الدلالة تنقسم إلى منطوق - وتقدم الكلام عليه - ، وإلى مفهوم ( وهو ) أي المفهوم ( ما دل عليه ) لفظ ( لا في محل نطق ) ، وإذا كان المفهوم في الأصل لكل ما فهم من نطق أو غيره ; لأنه اسم مفعول من الفهم لكن اصطلحوا على اختصاصه بهذا ، وهو المفهوم المجرد الذي يستند إلى النطق ، لكن فهم من غير تصريح بالتعبير عنه بل له استناد إلى طريق عقلي ، ثم اختلف العلماء في استفادة الحكم من المفهوم مطلقا : هل هو بدلالة العقل من جهة التخصيص بالذكر ، أم مستفاد من اللفظ ؟ على قولين ، قطع أبو المعالي في البرهان بالثاني ، فإن اللفظ لا يشعر بذاته ، وإنما دلالته بالوضع ولا شك أن العرب لم تضع اللفظ ليدل على شيء مسكوت عنه ; لأنه إنما يشعر به بطريق الحقيقة ، أو بطريق المجاز ، وليس المفهوم واحدا منهما ، ولا خلاف أن دلالته ليست وضعية ، إنما هي إشارات ذهنية من باب التنبيه بشيء على شيء .

إذا علم ذلك ، فالمفهوم نوعان . أحدهما : مفهوم موافقة والثاني : مفهوم مخالفة ، أشير إلى أولهما بقوله ( فإن وافق ) أي وافق المسكوت عنه المنطوق في الحكم ( ف ) هو ( مفهوم موافقة ، و يسمى فحوى الخطاب ولحنه ) أي لحن الخطاب ، فلحن الخطاب ما لاح في أثناء اللفظ ( و ) يسمى أيضا ( مفهومه ) أي مفهوم الخطاب . قاله القاضي أبو يعلى في العدة ، وأبو الخطاب في التمهيد ( وشرطه ) أي شرط مفهوم الموافقة ( فهم المعنى ) من اللفظ ( في محل النطق ) و ( أنه ) أي المفهوم ( أولى ) من المنطوق [ ص: 449 ] ( أو مساو ) له وبعضهم يسمي الأولوي بفحوى الخطاب ، والمساوي بلحن الخطاب فمثال الأولوي : ما يفهم من اللفظ بطريق القطع ; كدلالة تحريم التأفيف على تحريم الضرب ; لأنه أشد ومثال المساوي : تحريم إحراق مال اليتيم الدال عليه قوله تعالى { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما } " فالإحراق مساو للأكل بواسطة الإتلاف في الصورتين ، وقيل : إن الفحوى : ما نبه عليه اللفظ ، واللحن : ما يكون محالا على غير المراد في الأصل والوضع ، إذا عرفت ذلك فتحريم الضرب من قوله تعالى " { فلا تقل لهما أف } من باب التنبيه بالأدنى ، وهو التأفيف ، على الأعلى ، وهو الضرب ، وتأدية ما دون القنطار من قوله تعالى { ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك } من باب التنبيه بالأعلى ، وهو تأدية القنطار ، على الأدنى وهو تأدية ما دونه .

( وهو ) أي مفهوم الموافقة ( حجة ) قال ابن مفلح : ذكره بعضهم إجماعا ; لتبادر فهم العقلاء إليه . واختلف النقل عن داود ( ودلالته لفظية ) على الصحيح ، نص عليه الإمام أحمد رضي الله عنه وحكاه ابن عقيل عن أصحابنا ، واختاره أيضا الحنفية والمالكية وبعض الشافعية وجماعة من المتكلمين وسماه الحنفية دلالة النص ، واستدل لهذا المذهب بأنه يفهم لغة قبل شرع القياس ; ولاندراج أصله في فرعه ، نحو لا تعطه ذرة ، ويشترك في فهمه اللغوي وغيره بلا قرينة وقيل : إن دلالته قياسية ، وعلى كونها لفظية ، فالصحيح أنها ( فهمت من السياق والقرائن ) وهو قول الغزالي والآمدي ، والمراد بالقرائن هنا : المفيدة للدلالة على المعنى الحقيقي ، لا المانعة من إرادته ; لأن قوله تعالى { فلا تقل لهما أف } ونحوه مستعمل في معناه الحقيقي غايته أنه علم منه حرمة الضرب بقرائن الأحوال وسياق الكلام . واللفظ لا يصير بذلك مجازا كالتعريض . والقول الثاني أن اللفظ صار حقيقة عرفية في المعنى الالتزامي الذي هو الضرب في قوله سبحانه وتعالى : { فلا تقل لهما أف } قال الكوراني عن هذا القول : إنه باطل ; لأن المفردات مستعملة في معانيها اللغوية بلا ريب ، مع إجماع السلف على أن في الأمثلة المذكورة إلحاق الفرع بأصل ، وإنما الخلاف في أن ذلك بالشرع أو باللغة ، وعند الشافعي وأكثر أصحابه وبعض أصحابنا : قياس جلي ; لأنه لم يلفظ به ، وإنما حكم بالمعنى المشترك ، فهو من باب القياس ، قيس المسكوت على المذكور قياسا جليا ، فإنه إلحاق فرع بأصل لعلة مستنبطة ، [ ص: 450 ] فيكون قياسا شرعيا لصدق حده عليه ، كما سماه الشافعي بذلك . ومن فوائد الخلاف : أنا إذا قلنا : إن دلالته لفظية جاز النسخ به ، وإن قلنا : قياسية فلا .

التالي السابق


الخدمات العلمية