الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (4) قوله : اللائي : قرأ الكوفيون وابن عامر بياء ساكنة بعد همزة مكسورة . وهذا هو الأصل في هذه اللفظة لأنه جمع " التي " معنى . وأبو عمرو والبزي " اللاي " بياء ساكنة وصلا بعد ألف محضة في أحد وجهيهما . ولهما وجه آخر سيأتي .

                                                                                                                                                                                                                                      ووجه هذه القراءة أنهما حذفا الياء بعد الهمزة تخفيفا ، ثم أبدلا الهمزة ياء ، وسكناها لصيرورتها ياء مكسورا ما قبلها كياء القاضي والغازي ، إلا أن هذا ليس بقياس ، وإنما القياس جعل الهمزة بين بين . قال أبو علي : " لا يقدم على مثل هذا البدل إلا أن يسمع " . قلت : قال أبو عمرو ابن العلاء : " إنها لغة قريش التي أمر الناس أن يقرؤوا بها " . وقال بعضهم : لم يبدلوا وإنما كتبوا فعبر عنهم القراء بالإبدال . وليس بشيء .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو علي وغيره : " إظهار أبي عمرو " اللاي يئسن " يدل على أنه يسهل ولم يبدل " وهذا غير لازم ; لأن البدل عارض . فلذلك لم يدغم . وقرآ - هما أيضا - وورش بهمزة مسهلة بين بين . وهذا الذي زعم بعضهم أنه لم يصح عنهم غيره وهو تخفيف قياسي ، وإذا وقفوا سكنوا الهمزة ، ومتى سكنوها استحال تسهيلها بين بين لزوال حركتها فتقلب ياء لوقوعها ساكنة بعد كسرة ، وليس من مذهبهم تخفيفها فتقر همزة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ قنبل وورش بهمزة مكسورة دون ياء ، حذفا الياء واجتزآ عنها [ ص: 93 ] بالكسرة . وهذا الخلاف بعينه جار في المجادلة أيضا والطلاق .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " تظاهرون " قرأ عاصم " تظاهرون " بضم التاء وكسر الهاء بعد ألف ، مضارع ظاهر . وابن عامر " تظاهرون " بفتح التاء والهاء وتشديد الظاء مضارع تظاهر . والأصل " تتظاهرون " بتاءين فأدغم . والأخوان كذلك ، إلا أنهما خففا الظاء . والأصل أيضا بتاءين . إلا أنهما حذفا إحداهما ، وهما طريقان في تخفيف هذا النحو : إما الإدغام ، وإما الحذف . وقد تقدم تحقيقه في نحو : " يذكر " و " تذكرون " مثقلا ومخففا . وتقدم نحوه في البقرة أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                      والباقون " تظهرون " بفتح التاء والهاء وتشديد الظاء والهاء دون ألف . والأصل : تتظهرون بتاءين فأدغم نحو : " تذكرون " . وقرأ الجميع في المجادلة كقراءتهم هنا في قوله : يظاهرون من نسائهم إلا الأخوين ، فإنهما خالفا أصلهما هنا فقرآ في المجادلة بتشديد الظاء كقراءة ابن عامر . والظهار مشتق من الظهر . وأصله أن يقول الرجل لامرأته : " أنت علي كظهر أمي " ، وإنما لم يقرأ الأخوان بالتخفيف في المجادلة لعدم المسوغ له وهو الحذف ; لأن الحذف إنما كان لاجتماع مثلين وهما التاءان ، وفي المجادلة ياء من تحت [ ص: 94 ] وتاء من فوق ، فلم يجتمع مثلان فلا حذف ، فاضطر إلى الإدغام .

                                                                                                                                                                                                                                      هذا ما قرئ به متواترا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن وثاب " تظهرون " بضم التاء وسكون الظاء وكسر الهاء مضارع أظهر . وعنه أيضا " تظهرون " بفتح التاء والظاء مخففة ، وتشديد الهاء ، والأصل : تتظهرون ، مضارع تظهر مشددا فحذف إحدى التاءين . وقرأ الحسن " تظهرون " بضم التاء وفتح الظاء مخففة وتشديد الهاء مكسورة مضارع ظهر مشددا . وعن أبي عمرو " تظهرون " بفتح التاء والهاء وسكون الظاء مضارع " ظهر " مخففا . وقرأ أبي - وهي في مصحفه كذلك - تتظهرون بتاءين . فهذه تسع قراءات : أربع متواترة ، وخمس شاذة . وأخذ هذه الأفعال من لفظ الظهر كأخذ لبى من التلبية ، وتأفف من أف . وإنما عدي بـ " من " لأنه ضمن معنى التباعد . كأنه قيل : يتباعدون من نسائهم بسبب الظهار كما تقدم في تعدية الإيلاء بـ " من " في البقرة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " ذلكم قولكم " مبتدأ وخبر أي : دعاؤكم الأدعياء أبناء مجرد قول لسان من غير حقيقة . والأدعياء : جمع دعي بمعنى مدعو فعيل بمعنى مفعول . وأصله دعيو فأدغم ولكن جمعه على أدعياء غير مقيس ; لأن أفعلاء إنما يكون جمعا لفعيل المعتل اللام إذا كان بمعنى فاعل نحو : تقي وأتقياء ، وغني [ ص: 95 ] وأغنياء ، وهذا وإن كان فعيلا معتل اللام إلا أنه بمعنى مفعول ، فكان قياس جمعه على فعلى كقتيل وقتلى وجريح وجرحى . ونظير هذا في الشذوذ قولهم : أسير وأسراء ، والقياس أسرى ، وقد سمع فيه الأصل .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية