الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 208 ] ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل

                                                                                                                                                                                                                                      ويوم يحشرهم نصب على أنه مفعول لمضمر مقدم معطوف على قوله تعالى : "قل أذلك ..." إلخ ، أي : واذكر لهم بعد التقريع والتحسير يوم يحشرهم الله عز وجل . وتعليق التذكير باليوم مع أن المقصود تذكير ما وقع فيه من الحوادث الهائلة قد مر وجهه غير مرة ، أو على أنه ظرف لمضمر مؤخر قد حذف للتنبيه على كمال هوله وفظاعة ما فيه والإيذان بقصور العبارة عن بيانه ، أي : يوم يحشرهم يكون من الأحوال والأهوال ما لا يفي ببيانه المقال . وقرئ بنون العظمة بطريق الالتفات من الغيبة إلى التكلم وبكسر الشين أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                      وما يعبدون من دون الله أريد به ما يعم العقلاء وغيرهم إما لأن كلمة "ما" موضوعة للكل كما ينبئ عنه أنك إذا رأيت شبحا من بعيد تقول : ما هو أو لأنه أريد به الوصف لا الذات ، كأنه قيل : ومعبوديهم أو لتغليب الأصنام على غيرها تنبيها على أنهم مثلها في السقوط عن رتبة المعبودية ، أو اعتبارا لغلبة عبدتها أو أريد به الملائكةوالمسيح وعزير بقرينة السؤال والجواب ، أو الأصنام ينطقها الله تعالى ، أو تكلم بلسان الحال كما قيل في شهادة الأيدي والأرجل .

                                                                                                                                                                                                                                      فيقول أي : الله عز وجل للمعبودين إثر حشر الكل تقريعا للعبدة وتبكيتا لهم ، وقرئ بالنون كما عطف عليه ، وقرئ هذا بالياء والأول بالنون على طريق الالتفات إلى الغيبة .

                                                                                                                                                                                                                                      أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء بأن دعوتموهم إلى عبادتكم كما في قوله تعالى : أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله .

                                                                                                                                                                                                                                      أم هم ضلوا السبيل أي : عن السبيل بأنفسهم لإخلالهم بالنظر الصحيح وإعراضهم عن المرشد فحذف الجار وأوصل الفعل إلى المفعول كقوله تعالى : وهو يهدي السبيل والأصل : إلى السبيل أو للسبيل ، وتقديم الضميرين على الفعلين لأن المقصود بالسؤال هو المتصدي للفعل لا نفسه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية