الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ( 2 ) )

اختلفت القراء في قراءة قوله ( ينزل الملائكة ) فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والكوفة ( ينزل الملائكة ) بالياء وتشديد الزاي ونصب الملائكة ، بمعنى ينزل الله الملائكة بالروح . وقرأ ذلك بعض البصريين وبعض المكيين : ( ينزل الملائكة ) [ ص: 165 ] بالياء وتخفيف الزاي ونصب الملائكة . وحكي عن بعض الكوفيين أنه كان يقرؤه : " تنزل الملائكة" بالتاء وتشديد الزاي والملائكة بالرفع ، على اختلاف عنه في ذلك ، وقد روي عنه موافقة سائر قراء بلده .

وأولى القراءات بالصواب في ذلك عندي قراءة من قرأ ( ينزل الملائكة ) بمعنى : ينزل الله ملائكة . وإنما اخترت ذلك ، لأن الله هو المنزل ملائكته بوحيه إلى رسله ، فإضافة فعل ذلك إليه أولى وأحق واخترت ينزل بالتشديد على التخفيف ، لأنه تعالى ذكره كان ينزل من الوحي على من نزله شيئا بعد شيء ، والتشديد به إذ كان ذلك معناه ، أولى من التخفيف .

فتأويل الكلام : ينزل الله ملائكته بما يحيا به الحق ويضمحل به الباطل من أمره ( على من يشاء من عباده ) يعني على من يشاء من رسله ( أن أنذروا ) فإن الأولى في موضع خفض ، ردا على الروح ، والثانية في موضع نصب بأنذروا . ومعنى الكلام : ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده ، بأن أنذروا عبادي سطوتي على كفرهم بي وإشراكهم في اتخاذهم معي الآلهة والأوثان ، فإنه لا إله إلا أنا ، يقول : لا تنبغي الألوهة إلا لي ، ولا يصلح أن يعبد شيء سواي ، فاتقون : يقول : فاحذروني بأداء فرائضي وإفراد العبادة وإخلاص الربوبية لي ، فإن ذلك نجاتكم من الهلكة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا المثنى ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( ينزل الملائكة بالروح ) يقول : بالوحي .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده ) يقول : ينزل الملائكة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء وحدثني المثنى ، قال : ثنا أبو [ ص: 166 ] حذيفة ، قال : ثنا شبل وحدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله ، عن ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله ( بالروح من أمره ) أنه لا ينزل ملك إلا ومعه روح .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال مجاهد : قوله ( ينزل الملائكة بالروح من أمره ) قال : لا ينزل ملك إلا معه روح ( ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده ) قال : بالنبوة . قال ابن جريج : وسمعت أن الروح خلق من الملائكة نزل به الروح ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي ) .

حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس ، في قوله ( ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ) قال : كل كلم تكلم به ربنا فهو روح منه ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ) . . . إلى قوله ( ألا إلى الله تصير الأمور ) .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( ينزل الملائكة بالروح من أمره ) يقول : ينزل بالرحمة والوحي من أمره ، ( على من يشاء من عباده ) فيصطفي منهم رسلا .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده ) قال : بالوحي والرحمة .

وأما قوله ( أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ) فقد بينا معناه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ) إنما بعث الله المرسلين أن يوحد الله وحده ، ويطاع أمره ، ويجتنب سخطه .

التالي السابق


الخدمات العلمية