الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين ( 9 ) )

يقول تعالى ذكره : وعلى الله أيها الناس بيان طريق الحق لكم ، فمن اهتدى فلنفسه ، ومن ضل فإنما يضل عليها ، والسبيل : هي الطريق ، والقصد من الطريق المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ، كما قال الراجز :


فصد عن نهج الطريق القاصد

[ ص: 175 ] وقوله : ( ومنها جائر ) يعني تعالى ذكره : ومن السبيل جائر عن الاستقامة معوج ، فالقاصد من السبيل : الإسلام ، والجائر منها : اليهودية والنصرانية ، وغير ذلك من ملل الكفر كلها جائر عن سواء السبيل وقصدها ، سوى الحنيفية المسلمة ، وقيل : ومنها جائر ، لأن السبيل يؤنث ويذكر ، فأنثت في هذا الموضع ، وقد كان بعضهم يقول : وإنما قيل : ومنها ، لأن السبيل وإن كان لفظها لفظ واحد فمعناها الجمع .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : أخبرنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( وعلى الله قصد السبيل ) يقول : البيان .

حدثنا محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( وعلى الله قصد السبيل ) يقول : على الله البيان ، أن يبين الهدى والضلالة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن . قال : ثنا ورقاء وحدثني المثنى ، قال : أخبرنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل وحدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله ، عن ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وعلى الله قصد السبيل ) قال : طريق الحق على الله .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله ( وعلى الله قصد السبيل ) يقول : على الله البيان ، بيان حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( وعلى الله قصد السبيل ) قال : السبيل : طريق الهدى .

[ ص: 176 ] حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن جويبر ، عن الضحاك ( وعلى الله قصد السبيل ) قال : إنارتها .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( وعلى الله قصد السبيل ) يقول : على الله البيان ، يبين الهدى من الضلالة ، ويبين السبيل التي تفرقت عن سبله ، ومنها جائر .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ومنها جائر ) : أي من السبل ، سبل الشيطان ، وفي قراءة عبد الله بن مسعود : "ومنكم جائر ولو شاء الله لهداكم أجمعين " .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( ومنها جائر ) قال : في حرف ابن مسعود : "ومنكم جائر" .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله ( ومنها جائر ) يعني : السبل المتفرقة .

حدثني علي بن داود ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله ( ومنها جائر ) يقول : الأهواء المختلفة .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( ومنها جائر ) يعني السبل التي تفرقت عن سبيله .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ( ومنها جائر ) السبل المتفرقة عن سبيله .

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( ومنها جائر ) قال : من السبل جائر عن الحق قال : قال الله ( ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله )

وقوله : ( ولو شاء لهداكم أجمعين ) يقول : ولو شاء الله للطف بجميعكم أيها الناس بتوفيقه ، فكنتم تهتدون وتلزمون قصد السبيل ، ولا تجورون عنه ، فتتفرقون في سبل عن الحق جائرة .

[ ص: 177 ] كما حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( ولو شاء لهداكم أجمعين ) قال : لو شاء لهداكم أجمعين لقصد السبيل ، الذي هو الحق ، وقرأ ( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا ) الآية ، وقرأ ( ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ) . . . الآية .

التالي السابق


الخدمات العلمية