الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          [ ص: 384 ] وله أن يضارب لآخر فإن أضر بالأول حرم ، فإن خالف وربح رد نصيبه منه في شركة الأول ، نص على ذلك ، واختار شيخنا لا يرد كعمله في ماله أو إيجار نفسه . ونقل الأثرم : إذا اشترط النفقة فقد صار أجيرا له ولا يضارب لغيره ، قيل : فإن كانت لا تشغله ؟ قال : لا يعجبني ، لا بد من شغل ، وعليه أن يتولى ما جرت العادة به ، فإن فعله بأجرة غرمها ، وله الاستئجار للنداء على المتاع وما العادة جارية به ، وليس له فعله ليأخذ أجرته بلا شرط ، على الأصح ، وبذله خفارة وعشرا على المال . قال أحمد : ما أنفق على المال فعلى المال ، وقاله شيخنا في البذل لمحارب ونحوه . وإن عين لمضاربة بلدا أو متاعا .

                                                                                                          وقال في الرعاية : عام الوجود ، أو نقدا ، أو من يبيع أو يشتري منه .

                                                                                                          وفي المستوعب وغيره : أو جمعهما . وذكر في المغني : لا جمعهما ، تعين . وللمضارب النفقة بشرط فقط ، نص عليه ، كوكيل .

                                                                                                          وقال شيخنا : أو عادة فإن شرطها مطلقة فله نفقة مثله والكسوة ، ونصه من المأكول فقط ، وظاهره إلا أن يطول سفره ويحتاج تجديدها فله ، جزم به في المغني . ونقل حنبل : ينفق على [ ص: 385 ] معنى ما كان ينفق لنفسه غير متعد ولا مضر بالمال ، ولو لقيه ببلد أذن في سفره إليه وقد نض فأخذه فله نفقة رجوعه ، في وجه وله التسري بإذنه ، في رواية في الفصول ، والمذهب أنه يملكها ويصير ثمنها قرضا ، ونقل يعقوب اعتبار تسمية ثمنها ويعزر بوطئه ، نقله [ ص: 386 ] ابن منصور . وقيل يحد قبل الربح ، ذكره ابن رزين ، وذكره غيره : إن ظهر ربح عزر ويلزمه المهر وقيمتها إن أولدها ، وإلا حد عالما ، ونصه : يعزر ، ولا يطأ ربه الأمة ولو عدم الربح . ونقل ابن هانئ أنه سئل : يشتري جارية أو يكتسي ويأكل ؟ قال : لا يجوز هذا إلا أن يقول : كل شيء تأخذ من مضاربتك . ونقل ابن القاسم : إن ضارب لآخر لم يجز ، فإن أنفق على نفسه في طريقه فعليهما بالحصص ، وإن تلف بعض المال قبل تصرفه فباقيه رأس المال ، وإن [ ص: 387 ] تلف أو تعيب أو خسر أو نزل سعره بعد التصرف ونقل حنبل : وقبله جبر الوضيعة من ربح باقيه قبل قسمته ناضا أو تنضيضه مع محاسبته ، نص عليهما . ونقل ابن منصور وحرب : إذا احتسبا وعلما ما لهما ، واحتج به في الانتصار ، وأنه يحتمل أن يستحق ربح ربحه . ونقل حنبل : إذا حال حوله من يوم احتسبا زكاة المضارب ، لأنه علم ماله في المال ، والوضيعة بعد ذلك على رب المال وأحب أن لا يحاسب نفسه ، يكون معه رجل من قبل رب المال ، كالوصي لا يشتري من نفسه لنفسه يكون معه غيره . قال الأزجي : لا يجوز أن يختص رب المال بحساب المال ليس معه أحد ، نقله حنبل ، للتهمة ، ولا تختص المفاضلة بمكان العقد . وفي الترغيب : هل تستقر بمحاسبة دون قسمة وقبض ؟ فيه روايتان ، وفيه [ في مضاربة ] فيخرج مثله إذا نض ، فلو كان مائة فخسر عشرة ثم أخذ ربه عشرة نقص بها وقسطها مما خسر درهم وتسع ، ولو ربح في المائة عشرين فأخذها فقد أخذ سدسه ، فنقص رأس المال [ سدسه ] ستة عشر وثلثين ، وقسطها ثلاثة وثلث ، ومن الربح مهر وثمرة وأجرة وأرش وكذا نتاج ، ويتوجه وجه ، وإن دفع إليه ألفين في وقتين لم يخلطهما ، نص عليه ، [ ص: 388 ] ويتوجه جوازه ، وإن أذن قبل تصرفه في الأول أو بعده وقد نض جاز ، ولو تلف المال ثم اشترى سلعة للمضاربة فكفضولي ، وإن اشتراها في الذمة ثم تلف المال قبل نقد ثمنها أو تلف هو والسلعة فالثمن على رب المال ، ولرب السلعة مطالبة كل منهما بالثمن ، ويرجع به العامل ، وإن أتلفه ثم نقد الثمن من مال نفسه بلا إذن لم يرجع رب المال عليه بشيء ، وهو على المضاربة . لأنه لم يتعد فيه ، ذكره الأزجي قال : وإن أتلفه انفسخت ، لأنه لا يملكه ما لم يقبضه ، ومن أتلفه ضمن الربح للآخر ، ثم إن كان تلفه بعد التصرف فالمضاربة بحالها [ وإلا فهي في قدر ثمنها ، ولو قتل العبد فالأمر لرب المال ، فإن عفا على مال فالمضاربة بحالها ] كبذل البيع ، والزيادة على قيمته ربح ، ويحتمل لرب المال ، لعدم عمل من العامل ، قال الأزجي : وفيه نظر ، كبيعه بعض السلع ومع ربح القود إليهما .

                                                                                                          [ ص: 385 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 385 ] تنبيهان ) :

                                                                                                          ( الأول ) قوله : ولو لقيه بموضع أذن له في السفر إليه وقد نض الثمن كله فقبضه منه فله نفقة رجوعه في وجه ، انتهى . ظاهر هذا أن المقدم : لا نفقة له في رجوعه وهو كذلك ، قدمه في المغني والشرح وشرح ابن رزين وغيرهم وجزم به في الرعاية .

                                                                                                          ( والوجه الثاني ) له النفقة في رجوعه ( قلت ) : وهو الصواب .

                                                                                                          ( الثاني ) قوله : وله التسري بإذنه ، وفي رواية في الفصول ، والمذهب أنه يملكها ويصير ثمنها قرضا ، ونقل يعقوب اعتبار تسمية ثمنها ، انتهى . اعلم أن الصحيح من المذهب أنه لو أذن له في التسري فاشترى جارية صح التسري وملكها وصار ثمنها قرضا ، نص عليه في رواية يعقوب بن بختان ، وعليه الأصحاب ، وقطعوا به .

                                                                                                          وقال في الفصول . فإن شرط المضارب أن يتسرى من مال المضاربة ، فقال في رواية الأثرم وإبراهيم بن الحارث . يجوز أن يشتري المضارب جارية من المال إذا أذن له .

                                                                                                          وقال في رواية يعقوب بن بختان : يجوز ذلك ويكون دينا عليه ، فأجاز له ذلك بشرط أن يكون المال في ذمته ، قال أبو بكر : اختياري ما نقله يعقوب ، فكأنه جعل المسألة على روايتين ، واختار هذه ، قال شيخنا : وعندي أن المسألة رواية واحدة ، وأنه لا يجوز الشراء من مال المضاربة إلا أن يجعل المال في ذمته ، وعلى هذا كمل قوله في رواية الأثرم ، لأنه لو كان له ذلك لاستباح البضع بغير ملك [ ص: 386 ] يمين ولا عقد نكاح ، انتهى كلامه في الفصول ، فنقل صاحب الفصول لا ينافي المذهب ، أكثر ما فيه أن الإمام أحمد أطلق الرواية بالجواز إذا أذن له .

                                                                                                          وفي الرواية الأخرى قال يجوز ويكون ثمنها دينا عليه ، وقول أبي بكر يحتمل ما قاله ابن عقيل من أنه جعل المسألة على روايتين ، وهو بعيد ، ويحتمل أنه أراد أن تكون رواية الأثرم وإبراهيم كرواية يعقوب مبينة لروايتهما ، وأن أبا بكر اختار الحمل ، وهو الصواب ، وكلام القاضي يدل على ذلك ، فابن عقيل لم يثبت رواية مخالفة للحكم من قول أبي بكر ، بل قال : كأنه جعل المسألة على روايتين ، والمصنف أثبت رواية في الفصول بأن له التسري بإذنه من غير أن يكون ثمنها في ذمته ، وليس هذا برواية ، بل مجرد احتمال لكلام أبي بكر ، ورواية الأثرم وإبراهيم بن الحارث ويعقوب منقولات في غير الفصول ، فكون المصنف يخص الرواية بالفصول إما من نقل الرواية أو من قول أبي بكر فيه نظر فيما يظهر . والله أعلم .

                                                                                                          وقال شيخنا يمكن حمل كلامه في رواية على أنه أذن له في التملك من مال المضاربة ما يشتري به جارية له ، فلا يثبت في ذمته الثمن ، ويصير الثمن كالهبة ، وليس دخول الجارية في ملكه موقوفا على كون المال في ذمته ، وهذا ظاهر ، انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية