الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الصفة الرابعة : أن يكون مستترا مخفيا حاجته لا يكثر البث والشكوى أو يكون من أهل المروءة ممن ذهبت نعمته وبقيت عادته فهو يتعيش في جلباب التجمل قال الله تعالى يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا أي : لا يلحون في السؤال لأنهم أغنياء بيقينهم أعزة بصبرهم وهذا ينبغي أن يطلب بالتفحص عن أهل الدين في كل محلة ، ويستكشف عن بواطن أحوال أهل الخير والتجمل فثواب صرف المعروف إليهم أضعاف ما يصرف إلى المجاهرين بالسؤال .

التالي السابق


(الصفة الرابعة: أن يكون) من [ ص: 132 ] يعطاه (مستترا) حاله عن الناس غامضا فيهم (مخفيا حاجته) وفقره، (لا يكثر البث) أي: الحزن (والشكوى) مؤثرا إخفاء ذلك على الإظهار (أو يكون من أهل المروءة) وهي قوة نفسانية تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات (ممن ذهبت نعمته) بإصابة حوادث الدهر (وبقيت عادته) التي كان يعتادها في زمن النعمة، (فهو) الفقير في صورة الغني (يتعيش في جلبات التجمل) أولئك (قال الله تعالى) في وصفهم تنبيها للجاهلين بوصف المؤمنين ( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ) أي: لظهور تعففهم عن المسألة حياء، ثم أكد وصفهم وأظهر للخلق تعريفهم؛ بيانا منه وكشفا لحالهم إذ ستروها بالعفة، فقال: ( تعرفهم بسيماهم ) والسيما هي العلامة اللازقة دون التحلي، والنسبة الظاهرة (لا يسألون الناس إلحافا أي:) بهذه العلامة أيضا تعرفهم إن اشتبهوا عليك بأنهم (لا يلحون في السؤال) ثقة وقناعة ولا يلازمون المسؤول حتى يعطيهم، وقيل: هو نفي للسؤال والإلحاح كقوله:

على لاحب لا يهتدى بمناره

وهو أدخل في التعفف، وقيل: ومعنى إلحافا لا يلتحفون بالأغنياء ولا يلاحفون أهل الدنيا تملقا وخداعة؛ (لأنهم) منفردون بأحوالهم، (أغنياء بيقينهم) بالله، (أعزة بصبرهم) على مجاهدة النفس، والإلحاف مشتق من اللحاف الذي يلتحف به فيلزم الجسم، يقال: ليسوا ممن يفعل ذلك، لا يلتحفون الأغنياء كاللحاف، ولا يلتحفون المسألة لزاما كالصنعة كما يلتحف بالثوب، (وهذا ينبغي أن يطلب بالفحص عن أهل الدين في كل محلة، ويستكشف عن بواطن أهل الخير والتحمل) ممن فيه هذا الوصف؛ كله أو بعضه، (فثواب صرف المعروف إليهم أضعاف ما يصرف إلى المجاهرين بالسؤال) في الطرق والمنازل، وبعضهم غني في صورة فقير، وبعضهم اتخذ ذلك ديدنا له .




الخدمات العلمية