الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ذبب ]

                                                          ذبب : الذب : الدفع والمنع . والذب : الطرد . وذب عنه يذب ذبا : دفع ومنع ، وذببت عنه . وفلان يذب عن حريمه ذبا أي يدفع عنهم ، وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : إنما النساء لحم على وضم ، إلا ما ذب عنه ، قال :


                                                          من ذب منكم ذب عن حميمه أو فر منكم فر عن حريمه



                                                          وذبب : أكثر الذب . ويقال : طعان غير تذبيب إذا بولغ فيه .

                                                          ورجل مذب وذباب : دفاع عن الحريم . وذبذب الرجل إذا منع الجوار والأهل أي حماهم .

                                                          والذبي : الجلواز . وذب يذب ذبا اختلف ولم يستقم في مكان واحد . وبعير ذب : لا يتقار في موضع ؛ قال :


                                                          فكأننا فيهم جمال ذبة     أدم طلاهن الكحيل وقار



                                                          فقوله ذبة ، بالهاء يدل على أنه لم يسم بالمصدر إذ لو كان مصدرا لقال جمال ذب ، كقولك رجال عدل . والذب : الثور الوحشي ، ويقال له أيضا : ذب الرياد غير مهموز ، وسمي بذلك ؛ لأنه يختلف ولا يستقر في مكان واحد ، وقيل : لأنه يرود فيذهب ويجيء ؛ قال ابن مقبل :


                                                          يمشي بها ذب الرياد كأنه     فتى فارسي في سراويل رامح



                                                          وقال النابغة :


                                                          كأنما الرحل منها فوق ذي جدد     ذب الرياد إلى الأشباح نظار



                                                          وقال أبو سعيد : إنما قيل له ذب الرياد ؛ لأن رياده أتانه التي ترود معه ، وإن شئت جعلت الرياد رعيه نفسه للكلأ . وقال غيره : قيل له ذب الرياد لأنه لا يثبت في رعيه في مكان واحد ، ولا يوطن مرعى واحدا . وسمى مزاحم العقيلي الثور الوحشي الأذب ؛ قال :


                                                          بلادا بها تلقى الأذب كأنه     بها سابري لاح منه البنائق



                                                          أراد : تلقى الذب ، فقال الأذب لحاجته . وفلان ذب الرياد : يذهب ويجيء ، هذه عن كراع . أبو عمرو : رجل ذب الرياد إذا كان زوارا للنساء وأنشد لبعض الشعراء فيه :


                                                          ما للكواعب يا عيساء قد جعلت     تزور عني وتثنى دوني الحجر
                                                          قد كنت فتاح أبواب مغلقة     ذب الرياد إذا ما خولس النظر



                                                          [ ص: 16 ] وذبت شفته تذب ذبا وذببا وذبوبا ، وذببت : يبست وجفت وذبلت من شدة العطش أو لغيره . وشفة ذبانة : ذابلة ، وذب لسانه كذلك ؛ قال :


                                                          هم سقوني عللا بعد نهل     من بعد ما ذب اللسان وذبل



                                                          وقال أبو خيرة يصف عيرا :


                                                          وشفه طرد العانات فهو به     لوحان من ظمأ ذب ومن عضب



                                                          أراد بالظمأ الذب : اليابس . وذب جسمه : ذبل وهزل . وذب النبت : ذوى . وذب الغدير ، يذب : جف في آخر الجزء ، عن ابن الأعرابي ؛ وأنشد :


                                                          مدارين إن جاعوا وأذعر من مشى     إذا الروضة الخضراء ذب غديرها



                                                          يروى : وأدعر من مشى . وذب الرجل يذب ذبا إذا شحب لونه . وذب : جف . وصدرت الإبل وبها ذبابة أي بقية عطش . وذبابة الدين : بقيته . وقيل : ذبابة كل شيء بقيته . والذبابة : البقية من الدين ونحوه ، قال الراجز :


                                                          أو يقضي الله ذبابات الدين

                                                          أبو زيد : الذبابة بقية الشيء وأنشد الأصمعي ؛ لذي الرمة :


                                                          لحقنا فراجعنا الحمول وإنما     يتلي ذبابات الوداع المراجع



                                                          يقول : إنما يدرك بقايا الحوائج من راجع فيها . والذبابة أيضا : البقية من مياه الأنهار . وذبب النهار إذا لم يبق منه إلا بقية ، وقال :


                                                          وانجاب النهار فذببا

                                                          والذباب : الطاعون . والذباب : الجنون . وقد ذب الرجل إذا جن ؛ وأنشد شمر :


                                                          وفي النصري أحيانا سماح     وفي النصري أحيانا ذباب



                                                          أي : جنون . والذباب الأسود الذي يكون في البيوت ، يسقط في الإناء والطعام ، والواحدة ذبابة ، ولا تقل : ذبانة . والذباب أيضا : النحل ، ولا يقال ذبابة في شيء من ذلك ، إلا أن أبا عبيدة روى عن الأحمر ذبابة ؛ هكذا وقع في كتاب المصنف ، رواية أبي علي ؛ وأما في رواية علي بن حمزة ، فحكى عن الكسائي : الشذاة ذبابة بعض الإبل ؛ وحكي عن الأحمر أيضا : النعرة ذبابة تسقط على الدواب ، وأثبت الهاء فيهما ، والصواب ذباب ، هو واحد . وفي حديث عمر ، رضي الله عنه : كتب إلى عامله بالطائف في خلايا العسل وحمايتها : إن أدى ما كان يؤديه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عشور نحله ، فاحم له ، فإنما هو ذباب غيث ، يأكله من شاء .

                                                          قال ابن الأثير : يريد بالذباب النحل ، وأضافه إلى الغيث على معنى أنه يكون مع المطر حيث كان ، ولأنه يعيش بأكل ما ينبته الغيث ؛ ومعنى حماية الوادي له : أن النحل إنما يرعى أنوار النبات وما رخص منها ونعم ، فإذا حميت مراعيها ، أقامت فيها ورعت وعسلت ، فكثرت منافع أصحابها ؛ وإذا لم تحم مراعيها ، احتاجت أن تبعد في طلب المرعى ، فيكون رعيها أقل ؛ وقيل : معناه أن يحمى لهم الوادي الذي يعسل فيه ، فلا يترك أحد يعرض للعسل ؛ لأن سبيل العسل المباح سبيل المياه والمعادن والصيود ، وإنما يملكه من سبق إليه ، فإذا حماه ومنع الناس منه ، وانفرد به وجب عليه إخراج العشر منه ، عند من أوجب فيه الزكاة . التهذيب : واحد الذبان ذباب ، بغير هاء . قال : ولا يقال ذبابة . وفي التنزيل العزيز : وإن يسلبهم الذباب شيئا فسروه للواحد ، والجمع أذبة في القلة ، مثل غراب وأغربة ؛ قال النابغة :


                                                          ضرابة بالمشفر الأذبه

                                                          وذبان مثل غربان ، سيبويه ، ولم يقتصروا به على أدنى العدد ؛ لأنهم أمنوا التضعيف ، يعني أن فعالا لا يكسر في أدنى العدد على فعلان ، ولو كان مما يدفع به البناء إلى التضعيف ، لم يكسر على ذلك البناء ، كما أن فعالا ونحوه ، لما كان تكسيره على فعل يفضي به إلى التضعيف ، كسروه على أفعلة ؛ وقد حكى سيبويه ، مع ذلك ، عن العرب : ذب ، في جمع ذباب ، فهو مع هذا الإدغام على اللغة التميمية ، كما يرجعون إليها ، فيما كان ثانيه واوا ، نحو خون ونور .

                                                          وفي الحديث : عمر الذباب أربعون يوما ، والذباب في النار ؛ قيل : كونه في النار ليس لعذاب له ، وإنما ليعذب به أهل النار بوقوعه عليهم ، والعرب تكنو الأبخر : أبا ذباب ، وبعضهم يكنيه : أبا ذبان ، وقد غلب ذلك على عبد الملك بن مروان لفساد كان في فمه ؛ قال الشاعر :


                                                          لعلي إن مالت بي الريح ميلة     على ابن أبي الذبان أن يتندما



                                                          يعني هشام بن عبد الملك . وذب الذباب وذببه : نحاه . ورجل مخشي الذباب أي الجهل .

                                                          وأصاب فلانا من فلان ذباب لادغ أي شر . وأرض مذبة : كثيرة الذباب . وقال الفراء : أرض مذبوبة ، كما يقال : موحوشة من الوحش .

                                                          وبعير مذبوب : أصابه الذباب ، وأذب كذلك ، قاله أبو عبيد في كتاب أمراض الإبل ؛ وقيل : الأذب والمذبوب جميعا : الذي إذا وقع في الريف ، والريف لا يكون إلا في المصادر ، استوبأه ، فمات مكانه ، قال زياد الأعجم في ابن حبناء :


                                                          كأنك من جمال بني تميم     أذب أصاب من ريف ذبابا



                                                          يقول : كأنك جمل نزل ريفا ، فأصابه الذباب ، فالتوت عنقه ، فمات . والمذبة : هنة تسوى من هلب الفرس ، يذب بها الذباب ؛ وفي الحديث : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا طويل الشعر ، فقال : ذباب ، الذباب الشؤم ، أي : هذا شؤم . ورجل ذبابي : مأخوذ من الذباب ، وهو الشؤم . وقيل : الذباب الشر الدائم يقال : أصابك ذباب من هذا الأمر . وفي حديث المغيرة : شرها ذباب . وذباب العين : إنسانها ، على التشبيه بالذباب . والذباب : نكتة سوداء في جوف حدقة الفرس ، والجمع كالجمع . وذباب أسنان الإبل : حدها ؛ قال [ ص: 17 ] المثقب العبدي :


                                                          وتسمع للذباب إذا تغنى     كتغريد الحمام على الغصون



                                                          وذباب السيف : حد طرفه الذي بين شفرتيه ؛ وما حوله من حديه : ظبتاه ؛ والعير : الناتئ في وسطه ، من باطن وظاهر ؛ وله غراران ، لكل واحد منهما ، ما بين العير وبين إحدى الظبتين من ظاهر السيف وما قبالة ذلك من باطن ، وكل واحد من الغرارين من باطن السيف وظاهره ؛ وقيل : ذباب السيف طرفه المتطرف الذي يضرب به ، وقيل : حده .

                                                          وفي الحديث : رأيت ذباب سيفي كسر ، فأولته أنه يصاب رجل من أهل بيتي ، فقتل حمزة . والذباب من أذن الإنسان والفرس : ما حد من طرفها .

                                                          أبو عبيد : في أذني الفرس ذباباهما ، وهما ما حد من أطراف الأذنين . وذباب الحناء : بادرة نوره . وجاءنا راكب مذبب : عجل منفرد ؛ قال عنترة :


                                                          يذبب ورد على إثره     وأدركه وقع مردى خشب



                                                          إما أن يكون على النسب ، وإما أن يكون أراد خشيبا ، فحذف للضرورة . وذببنا ليلتنا أي أتعبنا في السير . ولا ينالون الماء إلا بقرب مذبب أي مسرع ؛ قال ذو الرمة :


                                                          مذببة أضر بها بكوري     وتهجيري إذا اليعفور قالا



                                                          اليعفور : الظبي . وقال من القيلولة ، أي : سكن في كناسه من شدة الحر . وظمء مذبب : طويل يسار فيه إلى الماء من بعد ، فيعجل بالسير . وخمس مذبب : لا فتور فيه . وذبب : أسرع في السير ؛ وقوله :


                                                          مسيرة شهر للبعير المذبذب

                                                          أراد المذبب . وأذب البعير : نابه ؛ قال الراجز :


                                                          كأن صوت نابه الأذب     صريف خطاف بقعو قب



                                                          والذبذبة : تردد الشيء المعلق في الهواء . والذبذبة والذباذب : أشياء تعلق بالهودج أو رأس البعير للزينة ، والواحد ذبذب . والذبذب : اللسان ، وقيل : الذكر . وفي الحديث : من وقي شر ذبذبه وقبقبه ، فقد وقي . فذبذبه فرجه ، وقبقبه بطنه . وفي رواية : من وقي شر ذبذبه دخل الجنة ؛ يعني الذكر سمي به لتذبذبه أي حركته . والذباذب : المذاكير . والذباذب : ذكر الرجل ؛ لأنه يتذبذب أي يتردد ؛ وقيل : الذباذب الخصى واحدتها ذبذبة . ورجل مذبذب ومتذبذب : متردد بين أمرين أو بين رجلين ، ولا تثبت صحبته لواحد منهما . وفي التنزيل العزيز في صفة المنافقين : مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء . المعنى : مطردين مدفعين عن هؤلاء وعن هؤلاء .

                                                          وفي الحديث : تزوج ، وإلا فأنت من المذبذبين أي المطرودين عن المؤمنين لأنك لم تقتد بهم ، وعن الرهبان لأنك تركت طريقتهم ، وأصله من الذب ، وهو الطرد . قال ابن الأثير : ويجوز أن يكون من الحركة والاضطراب .

                                                          والتذبذب : التحرك . والذبذبة : نوس الشيء المعلق في الهواء . وتذبذب الشيء : ناس واضطرب ، وذبذبه هو ، أنشد ثعلب :


                                                          وحوقل ذبذبه الوجيف     ظل لأعلى رأسه رجيف



                                                          وفي الحديث : فكأني أنظر إلى يديه تذبذبان أي : تتحركان وتضطربان ، يريد كميه . وفي حديث جابر : كان علي بردة لها ذباذب أي أهداب

                                                          وأطراف ، واحدها ذبذب بالكسر ؛ سميت بذلك لأنها تتحرك على لابسها إذا مشى ؛ وقول أبي ذؤيب :


                                                          ومثل السدوسيين سادا وذبذبا     رجال الحجاز من مسود وسائد



                                                          قيل : ذبذبا : علقا . يقول : تقطع دونهما رجال الحجاز . وفي الطعام ذبيباء ، ممدود ، حكاه أبو حنيفة في باب الطعام الذي فيه ما لا خير فيه ، ولم يفسره ؛ وقد قيل : إنها الذنيناء ، وستذكر في موضعها .

                                                          وفي الحديث : أنه صلب رجلا على ذباب ، هو جبل بالمدينة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية