الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
‏ذكر غزوة بني قريظة

لما أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد إلى المدينة ، ووضع المسلمون السلاح ، وضرب على سعد بن معاذ قبة في المسجد ليعوده من قريب ، فلما كان الظهر أتى جبرائيل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : أقد وضعت السلاح ؟ قال : نعم . قال جبرائيل : ما وضعت الملائكة السلاح ، إن الله يأمرك بالمسير إلى بني قريظة ، وأنا عامد إليهم . فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مناديا فنادى : من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة . وقدم عليا إليهم برايته ، وتلاحق الناس ، ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأتاه رجال بعد العشاء الأخيرة فصلوا العصر بها ، وما عابهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وحاصر بني قريظة شهرا وخمسا وعشرين ليلة ، فلما اشتد عليهم الحصار أرسلوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تبعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر ، وهو أنصاري من الأوس ، نستشيره ، فأرسله ، فلما رأوه قام عليه الرجال ، وبكى النساء والصبيان ، فرق لهم ، فقالوا : ننزل على حكم رسول الله . فقال : نعم ، وأشار بيده إلى حلقه أنه الذبح . قال أبو لبابة : فما زالت قدماي حتى عرفت أني خنت الله ورسوله ، وقلت : والله لا أقمت بمكان عصيت الله فيه . وانطلق على وجهه حتى ارتبط في المسجد ، وقال : لا أبرح حتى يتوب الله علي . [ ص: 71 ] فتاب الله عليه ، وأطلقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

ثم نزلوا على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال الأوس : يا رسول الله ، افعل في موالينا ما فعلت في موالي الخزرج ، يعني بني قينقاع ، وقد تقدم ذكرهم . فقال : ألا ترضون أن يحكم فيهم سعد بن معاذ ؟ قالوا : بلى . فأتاه قومه فاحتملوه على حمار ، ثم أقبلوا معه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم يقولون : أبا عمرو ، أحسن إلى مواليك . فلما كثروا عليه قال : قد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم ، فعلم كثير منهم أنه يقتلهم ، فلما انتهى سعد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : قوموا إلى سيدكم ، أو قال : خيركم ، فقاموا إليه وأنزلوه ، وقالوا : يا أبا عمرو ، أحسن إلى مواليك ، فقد رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحكم فيهم إليك . فقال سعد : عليكم عهد الله وميثاقه ، إن الحكم فيهم إلي ؟ قالوا : نعم ، فالتفت إلى الناحية الأخرى التي فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - وغض بصره عن رسول الله إجلالا ، وقال : وعلى من هاهنا العهد أيضا ؟ فقالوا : نعم . وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : نعم . قال : فإني أحكم أن تقتل المقاتلة ، وتسبى الذرية والنساء ، وتقسم الأموال ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم : لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة .

ثم استنزلوا ، فحبسوا في دار بنت الحارث امرأة من بني النجار . ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى سوق المدينة ، فخندق بها خنادق ، ثم بعث إليهم فضرب أعناقهم فيها ، وفيهم حيي بن أخطب ، وكعب بن أسد سيدهم ، وكانوا ستمائة أو سبعمائة ، وقيل : ما بين سبعمائة وثمانمائة ، وأتي بحيي بن أخطب وهو مكتوف ، فلما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : والله ما لمت نفسي في عداوتك ، ولكن من يخذل الله يخذل . ثم قال للناس : إنه لا بأس بأمر الله ، كتاب وقدر ، وملحمة كتبت على بني إسرائيل .

فأجلس وضربت عنقه . ولم تقتل منهم إلا امرأة واحدة ، قتلت بحدث أحدثته ، وقتلت أرفة بنت عارضة منهم .

[ ص: 72 ] وأسلم منهم ثعلبة بن سعية ، وأسيد بن سعية ، وأسد بن عبيد .

ثم قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أموالهم ، فكان للفارس ثلاثة أسهم ، للفرس سهمان ، ولفارسه سهم ، وللراجل ممن ليس له فرس سهم ، وكانت الخيل ستة وثلاثين فرسا ، وأخرج منها الخمس ، وكان أول فيء وقع فيه السهمان والخمس .

واصطفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه ريحانة بنت عمرو بن خنافة من بني قريظة ، فأراد أن يتزوجها فقالت : اتركني في ملكك ، فهو أخف علي وعليك .

فلما انقضى أمر قريظة انفجر جرح سعد بن معاذ ، واستجاب الله دعاءه ، وكان في خيمته التي في المسجد ، فحضره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر ، وقالت عائشة : سمعت بكاء أبي بكر وعمر عليه وأنا في حجرتي ، وأما النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان لا يبكي على أحد ، كان إذا اشتد وجده أخذ بلحيته .

وكان فتح قريظة في ذي القعدة وصدر ذي الحجة ، وقتل من المسلمين في الخندق ستة نفر ، وفي قريظة ثلاثة نفر .

التالي السابق


الخدمات العلمية