الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إضراب وانتقال عن الإنكار المذكور إلى إنكار حسبانه صلى الله عليه وسلم لهم ممن يسمع أو يعقل حسبما ينبئ عنه جده صلى الله عليه وسلم في الدعوة واهتمامه بالإرشاد والتذكير ، لكن لا على أنه لا يقع كالأول بل على أنه لا ينبغي أن يقع ، أي : بل أتحسب أن أكثرهم يسمعون ما تتلوا عليهم من الآيات حتى السماع أو يعقلون ما في تضاعيفها من المواعظ الزاجرة عن القبائح الداعية إلى المحاسن فتعتني بشأنهم وتطمع في إيمانهم . وضمير "أكثرهم" لمن وجمعه باعتبار معناها كما أن الإفراد في الضمائر الأول باعتبار لفظها ، وضمير الفعلين لأكثر لا لما أضيف هو إليه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : إن هم إلا كالأنعام إلخ جملة مستأنفة مسوقة لتقرير النكير وتأكيده وحسم مادة الحسبان بالمرة ، أي : ما هم في عدم الانتفاع بما يقرع آذانهم من قوارع الآيات وانتفاء التدبر فيما يشاهدونه من الدلائل والمعجزات إلا كالبهائم التي هي مثل في الغفلة وعلم في الضلالة .

                                                                                                                                                                                                                                      بل هم أضل منها سبيلا لما أنها تنقاد لصاحبها الذي يعلفها ويتعهدها وتعرف من يحسن إليها ممن يسيء إليها وتطلب ما ينفعها وتجتنب ما يضرها وتهتدي لمراعيها ومشاربها وتأوي إلى معاطنها ، وهؤلاء لا ينقادون لربهم وخالقهم ورازقهم ولا يعرفون إحسانه إليهم من اساءة الشيطان الذي هو أعدى عدوهم ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع ولا يتقون العقاب الذي هو أشد المضار والمهالك ، ولا يهتدون للحق الذي هو المشرب الهني والمورد العذب الروي ، ولأنها إن لم تعتقد حقا مستتبعا لاكتساب الخير لم تعتقد باطلا مستوجبا لاقتراف الشر بخلاف هؤلاء حيث مهدوا قواعد الباطل وفرعوا عليها أحكام الشرور ، ولأن أحكام جهالتها وضلالتها مقصورة على أنفسها تتعدى إلى أحد وجهالة هؤلاء مؤدية إلى ثوران الفتنة والفساد وصد الناس عن سنين السداد وهيجان الهرج والمرج فيما بين العباد ، ولأنها غير معطلة لقوة من القوى المودعة بل صارفة لها إلى ما خلقت هي له فلا تقصير من قبلها في طلب الكمال ، وأما هؤلاء فهم معطلون لقواهم العقلية مضيعون للفطرة الأصلية التي فطر الناس عليها مستحقون بذلك أعظم العقاب وأشد النكال .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية