الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 630 ] قوله تعالى : للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر . أخرج عبد الرزاق ، وأبو عبيد في ((فضائله))، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن الأنباري في ((المصاحف))، عن ابن عباس أنه كان يقرؤها "(للذين يقسمون من نسائهم )" ويقول : الإيلاء القسم والقسم الإيلاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، عن أبي بن كعب ، مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي داود في ((المصاحف))، عن حماد قال : قرأت في مصحف أبي : ( للذين يقسمون ) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الشافعي، وعبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، والبيهقي في "سننه"، عن ابن عباس قال : الإيلاء أن يحلف بالله أن لا يجامعها أبدا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه"، عن ابن عباس في قوله : للذين يؤلون من نسائهم قال : هو الرجل يحلف لامرأته بالله لا ينكحها فيتربص أربعة أشهر، فإن هو نكحها كفر يمينه، فإن مضت أربعة أشهر قبل أن ينكحها خيره السلطان إما أن يفيء فيراجع، وإما أن يعزم فيطلق كما قال الله سبحانه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، والطبراني ، والبيهقي [ ص: 631 ] والخطيب في ((تالي التلخيص))، عن ابن عباس قال : كان إيلاء أهل الجاهلية السنة والسنتين وأكثر من ذلك، فوقت الله لهم أربعة أشهر، فإن كان إيلاؤه أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن قتادة في قوله : للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر قال : هذا في الرجل يولي من امرأته يقول : والله لا يجتمع رأسي ورأسك، ولا أقربك ولا أغشاك ، قال : وكان أهل الجاهلية يعدونه طلاقا، فحد لهم أربعة أشهر، فإن فاء فيها كفر عن يمينه وكانت امرأته، وإن مضت الأربعة أشهر ولم يفئ فيها فهي تطليقة، وهي أحق بنفسها وهو أحد الخطاب، ويخطبها زوجها في عدتها، ولا يخطبها في عدتها غيره ، فإن تزوجها فهي عنده على تطليقتين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، والبيهقي ، عن ابن عباس قال : كل يمين منعت جماعا فهي إيلاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن إبراهيم والشعبي ، مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن ابن عباس قال : لا إيلاء إلا بحلف .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أن خالد بن سعيد بن العاص هجر امرأته سنة ولم يكن حلف، فقالت له عائشة : أما تقرأ آية الإيلاء إنه لا ينبغي أن تهجر أكثر من أربعة أشهر؟! . [ ص: 632 ] وأخرج عبد بن حميد ، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر ، أنه سمع عائشة وهي تعظ خالد بن العاص المخزومي في طول الهجرة لامرأته تقول : يا خالد، إياك وطول الهجرة، فإنك قد سمعت ما جعل الله للمؤلي من الأجل، إنما جعل الله له تربص أربعة أشهر، فأحذر طول الهجرة ، قال محمد بن مسلم : ولم يبلغنا أنه مضى في طول الهجرة طلاق لأحد، ولكن عائشة حذرته ذلك، فأرادت أن تعطفه على امرأته، وحذرت عليه أن تشبهه بالإيلاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس قال : لا إيلاء إلا بغضب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن علي بن أبي طالب قال : الإيلاء إيلاءان : إيلاء في الغضب، وإيلاء في الرضا، فأما الإيلاء في الغضب فإذا مضت أربعة أشهر فقد بانت منه، وأما ما كان في الرضا فلا يؤخذ به .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، والبيهقي ، عن عطية بن جبير قال : ماتت أم صبي بيني وبينه قرابة، فحلف أبي أن لا يطأ أمي حتى تفطمه، فمضى أربعة أشهر فقالوا : قد بانت منك ، فأتى عليا فقال : إن كنت إنما حلفت على تضرة فقد بانت منك، وإلا فلا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن أم عطية قالت : ولد لنا غلام فكان أحدر شيء وأسمنه ، فقال القوم لأبيه : إنكم لتحسنون غذاء هذا الغلام ، فقال : إني [ ص: 633 ] حلفت أن لا أقرب أمه حتى تفطمه ، فقال القوم قد - والله - ذهبت عنك امرأتك ، فارتفعا إلى علي، فقال علي : أنت أمين نفسك أمن غضب غضبته عليها فحلفت؟ قال : لا ، بل أريد أن أصلح إلى ولدي ، قال : فإنه ليس في الإصلاح إيلاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، عن سعيد بن جبير قال : أتى رجل عليا فقال : إني حلفت أن لا آتي امرأتي سنتين ، فقال : ما أراك إلا قد آليت ، قال : إنما حلفت من أجل أنها ترضع ولدي، قال : فلا إذن .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن الحسن ، أنه سئل عن رجل قال لامرأته : والله لا أقربك حتى تفطمي ولدك ، قال : والله ما هذا بإيلاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن حماد قال : سألت إبراهيم عن الرجل يحلف أن لا يقرب امرأته وهي ترضع شفقة على ولدها، فقال إبراهيم : ما أعلم الإيلاء إلا في الغضب، قال الله : فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم فإنما الفيء من الغضب ، وقال إبراهيم : لا أقول فيها شيئا ، وقال حماد لا أقول فيها شيئا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، عن يزيد بن الأصم قال : تزوجت امرأة، فلقيت ابن عباس، فقلت : تزوجت تهلل بنت يزيد، وقد بلغني أن في خلقها شيئا، ثم قال : والله لقد خرجت وما أكلمها ، قال : عليك بها قبل أن [ ص: 634 ] تنقضي أربعة أشهر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، عن منصور قال : سألت إبراهيم عن رجل حلف لا يكلم امرأته، فمضت أربعة أشهر قبل أن يجامعها، قال : إنما كان الإيلاء في الجماع، وأنا أخشى أن يكون إيلاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن ابن عباس قال : إذا آلى على شهر أو شهرين أو ثلاثة دون الحد برت يمينه لا يدخل عليه إيلاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الشافعي ، وعبد بن حميد ، والبيهقي ، عن طاوس قال : كل شيء دون الأربعة فليس بإيلاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن عطاء قال : لو آلى منها شهرا كان إيلاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن الحكم ، أن رجلا آلى من امرأته شهرا، فتركها حتى مضت أربعة أشهر، قال النخعي : هو إيلاء، وقد بانت منه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن وبرة ، أن رجلا آلى عشرة أيام، فمضت أربعة أشهر، فجاء إلى عبد الله فجعله إيلاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن ابن أبي ليلى قال : إن آلى منها يوما أو ليلة فهو إيلاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن الحسن في الرجل يقول لامرأته : والله لا أطؤك [ ص: 635 ] الليلة، فتركها من أجل ذلك، قال : إن تركها حتى تمضي أربعة أشهر فهو إيلاء .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية