الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ذرب ]

                                                          ذرب : الذرب : الحاد من كل شيء . ذرب يذرب ذربا وذرابة فهو ذرب ؛ قال شبيب بن البرصاء :


                                                          كأنها من بدن وإيقار دبت عليها ذربات الأنبار



                                                          قال ابن بري : ، أي كأن هذه الإبل من بدنها وسمنها وإيقارها باللحم ، قد دبت عليها ذربات الأنبار ؛ والأنبار : جمع نبر ، وهو ذباب يلسع فينتفخ مكان لسعه ، فقوله : ذربات الأنبار ، أي : حديدات اللسع ، ويروى : وإيفار ، بالفاء أيضا . وقوم ذرب .

                                                          ابن الأعرابي : ذرب الرجل إذا فصح لسانه بعد حصره . ولسان ذرب : حديد الطرف ؛ وفيه ذرابة ، أي : حدة . وذربه : حدته . وذرب المعدة : حدتها عن الجوع . ذربت معدته تذرب ذربا فهي ذربة إذا فسدت .

                                                          وفي الحديث : في ألبان الإبل وأبوالها شفاء الذرب هو بالتحريك ، الداء الذي يعرض للمعدة فلا تهضم الطعام ، ويفسد فيها ولا تمسكه .

                                                          قال أبو زيد : يقال للغدة ذربة ، وجمعها ذرب . والتذريب : التحديد . يقال لسان ذرب ، وسنان ذرب ومذرب ، قال كعب بن مالك :


                                                          بمذربات بالأكف نواهل     وبكل أبيض كالغدير مهند



                                                          وكذلك المذروب ، قال الشاعر :


                                                          لقد كان ابن جعدة أريحيا     على الأعداء مذروب السنان



                                                          وذرب الحديدة يذربها ذربا ، وذربها : أحدها فهي مذروبة . وقوم ذرب : أحداء . وامرأة ذربة مثل قربة ، وذربة - أي : صخابة ، حديدة ، سليطة اللسان ، فاحشة ، طويلة اللسان . وذرب اللسان : حدته .

                                                          وفي الحديث عن حذيفة قال : كنت ذرب اللسان على أهلي ، فقلت : يا رسول الله إني لأخشى أن يدخلني النار ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فأين أنت من الاستغفار ؟ إني لأستغفر الله في اليوم مائة ، فذكرته لأبي بردة فقال : وأتوب إليه . قال أبو بكر في قولهم فلان ذرب اللسان ، قال : سمعت أبا العباس يقول : معناه فاسد اللسان ، قال : وهو عيب وذم . يقال : قد ذرب لسان الرجل يذرب إذا فسد

                                                          ومن هذا ذربت معدته : فسدت ؛ وأنشد :


                                                          ألم أك باذلا ودي ونصري     وأصرف عنكم ذربي ولغبي



                                                          قال : واللغب الرديء من الكلام . وقيل : الذرب اللسان هو الحاد اللسان ، وهو يرجع إلى الفساد ؛ وقيل : الذرب اللسان الشتام الفاحش .

                                                          وقال ابن شميل : الذرب اللسان الفاحش البذي الذي لا يبالي ما قال .

                                                          وفي الحديث : ذرب النساء على أزواجهن ، أي فسدت ألسنتهن وانبسطن عليهم في القول ؛ والرواية ذئر بالهمز ، وسنذكره .

                                                          وفي الحديث : أن أعشى بني مازن قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنشد أبياتا فيها :


                                                          يا سيد الناس وديان العرب     إليك أشكو ذربة من الذرب
                                                          خرجت أبغيها الطعام في رجب     فخلفتني بنزاع وحرب
                                                          أخلفت العهد ولطت بالذنب     وتركتني وسط عيص ذي أشب
                                                          تكد رجلي مسامير الخشب     وهن شر غالب لمن غلب



                                                          قال أبو منصور : أراد بالذربة امرأته ، كنى بها عن فسادها وخيانتها إياه في فرجها ، وجمعها ذرب ، وأصله من ذرب المعدة ، وهو فسادها ؛ وذربة منقول من ذربة ، كمعدة من معدة ؛ وقيل : أراد سلاطة لسانها ، وفساد منطقها ، من قولهم ذرب لسانه إذا كان حاد اللسان لا يبالي ما قال . وذكر ثعلب عن ابن الأعرابي : أن هذا الرجز للأعور بن قراد بن سفيان ، من بني الحرماز ، وهو أبو شيبان الحرمازي ، أعشى بني حرماز ؛ وقوله : فخلفتني ، أي : خالفت ظني فيها ؛ وقوله : لطت بالذنب ، يقال : لطت الناقة بذنبها ، أي : أدخلته بين فخذيها ، لتمنع الحالب .

                                                          ويقال : ألقى بينهم الذرب ، أي : الاختلاف والشر . وسم ذرب : حديد . والذراب : السم - عن كراع - اسم لا صفة . وسيف ذرب ومذرب : أنقع في السم ، ثم شحذ . التهذيب : تذريب السيف أن ينقع في السم فإذا أنعم سقيه ، أخرج فشحذ . قال : ويجوز ذربته ، فهو مذروب ؛ قال عبيد :

                                                          [ ص: 24 ]

                                                          وخرق من الفتيان أكرم مصدقا     من السيف قد آخيت ليس بمذروب



                                                          قال شمر : ليس بفاحش . والذرب : فساد اللسان وبذاؤه . وفي لسانه ذرب : وهو الفحش ، قال : وليس من ذرب اللسان وحدته ؛ وأنشد :


                                                          أرحني واسترح مني فإني     ثقيل محملي ذرب لساني



                                                          وجمعه أذراب ، عن ابن الأعرابي ؛ وأنشد لحضرمي بن عامر الأسدي :


                                                          ولقد طويتكم على بللاتكم     وعرفت ما فيكم من الأذراب
                                                          كيما أعدكم لأبعد منكم     ولقد يجاء إلى ذوي الألباب



                                                          معنى ما فيكم من الأذراب : من الفساد ، ورواه ثعلب : الأعياب ، جمع عيب .

                                                          قال ابن بري : وروى ابن الأعرابي هذين البيتين على غير هذا الحوك ، ولم يسم قائلهما ؛ وهما :


                                                          ولقد بلوت الناس في حالاتهم     وعلمت ما فيهم من الأسباب
                                                          فإذا القرابة لا تقرب قاطعا     وإذا المودة أقرب الأنساب



                                                          وقوله : ولقد طويتكم على بللاتكم ، أي طويتكم على ما فيكم من أذى وعداوة ، وبللات بضم اللام جمع بللة ، بضم اللام أيضا ، قال : ومنهم من يرويه على بللاتكم ، بفتح اللام ، الواحدة بللة ، أيضا بفتح اللام ، وقيل في قوله على بللاتكم : إنه يضرب مثلا لإبقاء المودة ، وإخفاء ما أظهروه من جفائهم ، فيكون مثل قولهم : اطو الثوب على غره ، لينضم بعضه إلى بعض ولا يتباين ؛ ومنه قولهم أيضا : اطو السقاء على بلله ؛ لأنه إذا طوي وهو جاف تكسر ، وإذا طوي على بلله لم يتكسر ، ولم يتباين . والتذريب : حمل المرأة ولدها الصغير ، حتى يقضي حاجته . ابن الأعرابي : أذرب الرجل إذا فسد عيشه وذرب الجرح ذربا فهو ذرب : فسد واتسع ، ولم يقبل البرء والدواء ؛ وقيل : سال صديدا ، والمعنيان متقاربان . وفي حديث أبي بكر - رضي الله عنه - : ما الطاعون ؟ قال : ذرب كالدمل . يقال : ذرب الجرح إذا لم يقبل الدواء ؛ ومنه الذربيا ، على فعليا ، وهي الداهية ؛ قال الكميت :


                                                          رماني بالآفات من كل جانب     وبالذربيا مرد فهر وشيبها



                                                          وقيل : الذربيا هو الشر والاختلاف ؛ ورماهم بالذربين مثله . ولقيت منه الذربى والذربيا والذربين ، أي : الداهية . وذربت معدته ذربا وذرابة وذروبة ، فهي ذربة - فسدت - فهو من الأضداد . والذرب : المرض الذي لا يبرأ . وذرب أنفه ذرابة : قطر . والذريب : الأصفر من الزهر وغيره . قال الأسود بن يعفر ، ووصف نباتا :


                                                          قفر حمته الخيل حتى كأن     زاهره أغشي بالذريب



                                                          وأما ما ورد في حديث أبي بكر - رضي الله عنه - : لتألمن النوم على الصوف الأذربي ، كما يألم أحدكم النوم على حسك السعدان . فإنه ورد في تفسيره : الأذربي منسوب إلى أذربيجان ، على غير قياس . قال ابن الأثير : هكذا تقول العرب والقياس أن تقول أذري - بغير باء - كما يقال في النسب إلى رام هرمز ، رامي وهو مطرد في النسب إلى الأسماء المركبة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية