الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وإن أي : والحال أن ربك أي : الذي أحسن إليك بالإرسال ، وسخر لك قلوب الأصفياء ، وزوى عنك اللد الأشقياء لهو [ ص: 12 ] ولما كان المقام لإنزال الآية القاهرة ، قدم قوله : العزيز أي : القادر على كل من قسرهم على الإيمان والانتقام منهم ، الرحيم في أنه لم يعاجلهم بالنقمة ، بل أنزل عليهم الكتاب ترفقا بهم ، وبيانا لما يرضاه ليقيم به الحجة على من أريد للهوان ، ويقبل بقلوب من يختصه منهم للإيمان ، قال أبو حيان : والمعنى : أنه عز في نقمته من الكفار ، ورحم مؤمني كل أمة - انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن هنا شرع سبحانه وتعالى في تمثيل آخر الفرقان في إظهار القدرة بالبطش عند النقمة حيث لم يشكر النعمة بأن أبى المدعو الإجابة لدعوة الرسل ، وترك الداعي -عقب الانقياد [من] الشدائد- التضرع للمرسل ، وقص أخبار الأمم على ما هي عليه بحيث لم يقدر أحد من أهل الكتاب الذين هم بين ظهرانيهم على إنكار شيء من ذلك ، ومن ثم قرع أسماعهم ، أول شيء بقصتهم من فرعون ، وموسى عليه السلام ، فصح قطعا أن هذا الكتاب جلي الأمر ، علي القدر ، ليس بكهانة ، ولا شعر ، كما سيؤكد ذلك عند إظهار النتيجة في آخرها ، بل هو من عند رب العالمين ، على لسان سيد المرسلين ، وصح أن أكثر الخلق مع ذلك هالك وإن قام الدليل. ووضح السبيل; لأن سلك الذكر في قلوبهم شبيه في الضيق بنظم السهم فيما يرمى به ، وصح أنه سبحانه يملي لهم وينعم عليهم بما فيه حياة أديانهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب ، وما فيه حياة أبدانهم بالإيتاء من كل ما يحتاجونه إظهارا لصفة الرحمة ، [ ص: 13 ] ثم ينتقم منهم بعد طول المهلة ، وتماديهم في سكرات الغفلة ، كشفا لصفة العزة ، كل ذلك تسلية له صلى الله عليه وسلم وتخفيفا وإعلاما بأنه لا قصور في بيانه ، ولا تقصير لديه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية