الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              2910 (17) باب قسم مال المفلس، والحث على وضع بعض الدين

                                                                                              [ 1646 ] عن أبي سعيد الخدري قال: أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تصدقوا عليه". فتصدق الناس عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغرمائه: "خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك".

                                                                                              رواه أحمد ( 3 \ 36 )، ومسلم (1556) (18)، وأبو داود (3469)، والترمذي (655)، والنسائي ( 7 \ 265 )، وابن ماجه (2356). [ ص: 427 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 427 ] (17) ومن باب قسم مال المفلس

                                                                                              (قوله: أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها ) هذا الرجل هو معاذ بن جبل . وكان غرماؤه يهود ، فكلمهم النبي صلى الله عليه وسلم في أن يخففوا عنه، أو ينظروه، فأبوا، فحكم النبي صلى الله عليه وسلم بما ذكر. وظاهر هذا الحديث: أن الجائحة أتت على كل الثمرة، حتى لم يبق له منها ما يباع عليه، فقد ثبتت عسرته. فحكمه الإنظار إلى الميسرة، كما قال الله تعالى. فمن كان كذلك فلا يحبس مثله خلافا لشريح ؛ فإنه قال: يحبس أبدا، ولا يلازم. خلافا لأبي حنيفة ؛ فإنه قال: يلازم لإمكان أن يظهر له مال، ولا يكلف أن يكتسب، لا هو ولا مستولدته. وهذا كله مردود بنص القرآن، وبقوله صلى الله عليه وسلم لغرماء معاذ : ( خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك ). ولا يجب أن يتصدق عليه، ومن فعل ذلك، أو حض عليه كان خيرا له، وفيه ثواب كثير؛ لأنه سعى في تخليص ذمة المسلم من المطالبة المستقبلة، أو من الإثم اللاحق بتأخير الأداء عند الإمكان إن كان قد وقع ذلك. وفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بمعاذ ليتبين خصومه: أنه ليس عنده شيء، ولتطيب قلوبهم بما أخذوا، فيسهل عليهم ترك ما بقي، وليخف الدين عن معاذ ، وليتشارك المتصدقون في أجر المعونة وثوابها. وليكن ذلك سنة حسنة.

                                                                                              وفيه ما يدل على نسخ بيع الجزء في الدين، كما كان في أول الإسلام. وعلى نسخه تدل الآية، والإجماع.

                                                                                              [ ص: 428 ] و (قوله: خذوا ما وجدتم ) يدل على أن المفلس يؤخذ منه كل ما يوجد له، ويستثنى من ذلك ما كان من ضرورته. وروى ابن نافع عن مالك : أنه لا يترك له إلا ما يواريه. والمشهور: أنه يترك له كسوته المعتادة، ما لم يكن فيها فضل، ولا ينزع منه رداؤه، إن كان ذلك مزريا به، أو منقصا. وفي ترك كسوة زوجته، وبيع كتبه إن كان عالما خلاف. ولا يترك له مسكن، ولا خاتم، ولا ثوب جمعته، ما لم تقل قيمتها.




                                                                                              الخدمات العلمية