الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( فإن كان الميت رجلا لا زوجة له فأولى الناس بغسله الأب ثم الجد ثم الابن ثم ابن الابن ثم الأخ ثم ابن الأخ ثم العم ثم ابن العم لأنهم أحق بالصلاة عليه ، فكانوا أحق بغسله ، فإن كان له زوجة جاز لها غسله ، لما روت عائشة رضي الله عنها : " أن أبا بكر رضي الله عنه أوصى أسماء بنت عميس لتغسله " وهل تقدم على العصبات ؟ ، فيه وجهان ( أحدهما ) أنها تقدم لأنها تنظر [ ص: 113 ] منه إلى ما لا ينظر العصبات وهو ما بين السرة والركبة ( والثاني ) يقدم العصبات لأنهم أحق بالصلاة عليه ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث عائشة هذا ضعيف ، ورواه البيهقي من رواية محمد بن عمر الواقدي وهو ضعيف باتفاقهم . قال البيهقي : ورواية الواقدي وإن كان ضعيفا فله شواهد مراسيل .

                                      ( قلت ) ورواه مالك في الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أسماء بنت عميس " أنها غسلت أبا بكر حين توفي ، فسألت من حضرها من المهاجرين ، فقالت : إني صائمة وإن هذا يوم شديد البرد فهل علي من غسل ، فقالوا : لا " وهذا الإسناد منقطع . وعميس بعين مهملة مضمومة ثم ميم مفتوحة ثم مثناة من تحت ساكنة ثم سين مهملة ، وكانت أسماء من السابقات إلى الإسلام ، أسلمت قديما بمكة قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم . قال أصحابنا : الأصل في غسل الميت أن يغسل الرجال الرجال والنساء النساء فإن كان الميت رجلا فأولى الناس به أولاهم بالصلاة عليه ، وزوجته ، فإن لم يكن زوجة فأولاهم الأب ثم الجد ثم الابن ثم ابن الابن ثم الأخ ثم العم ثم ابن العم ثم عم الأب ثم ابنه ثم عم الجد ثم ابنه ثم عم أب الجد ثم ابنه وعلى هذا الترتيب . وإن كان له زوجة جاز لها غسله بلا خلاف عندنا ، وبه قالت الأئمة كلها إلا رواية عن أحمد ، وهل تقدم على رجال العصبات ؟ فيه الوجهان اللذان ذكرهما المصنف وهما مشهوران ( أصحهما ) عند الأكثرين لا تقدم ، بل يقدم رجال العصبات ثم الرجال الأقارب ثم الأجانب ثم الزوجة ثم النساء المحارم . وبهذا قطع المصنف في التنبيه والجرجاني في التحرير .

                                      ( والثاني ) تقدم الزوجة عليهم ، وصححه البندنيجي ، وفي المسألة وجه ثالث ذكره السرخسي في الأمالي وغيره من الأصحاب أنه يقدم الرجال الأقارب ، ثم الزوجة ثم الرجال الأجانب ثم النساء المحارم ، وإلى متى تغسل زوجها ؟ فيه ثلاثة أوجه حكاها القاضي أبو الطيب والبغوي والمتولي وآخرون .

                                      ( أصحها ) تغسله أبدا وإن انقضت عدتها بوضع الحمل في الحال وتزوجت ، [ ص: 114 ] لأنه حق ثبت لها فلا يسقط بشيء من ذلك كالميراث ، وبهذا قطع الغزالي في كتاب العدة وغيره من الأصحاب ، وهو مقتضى إطلاق المصنف والأكثرين ، وصححه الرافعي وغيره .

                                      ( والثاني ) لها غسله ما لم تتزوج ، وإن انقضت عدتها ، لأنها بالزواج صارت صالحة لغسل الثاني لو مات ، ولا يجوز أن تكون غاسلة لزوجين في وقت واحد .

                                      ( والثالث ) لها غسله ما لم تنقض العدة ، لأن بانقضاء العدة تنقطع علائق النكاح ، ولو كان له زوجتان فأكثر وتنازعن في غسله أقرع بينهن بلا خلاف ، وكذا لو مات له زوجات في وقت بهدم أو غرق أو غيره أقرع بينهن فمن خرجت قرعتها غسلها أولا ذكره صاحبا التتمة والعدة وغيرهما .

                                      ( فرع ) لم يذكر المصنف النساء المحارم ، وقد ذكرهن المصنف في التنبيه ، وسائر الأصحاب فقالوا : يجوز للنساء المحارم غسله ، وهن مؤخرات عن الرجال الأقارب والأجانب والزوج ، لأنهن في حقه كالرجال .

                                      ( فرع ) ذكر المصنف أن دليل غسل الزوجة زوجها قصة أسماء ، وذكرنا أنه حديث ضعيف فالصواب الاحتجاج بالإجماع ، فقد نقل ابن المنذر في كتابيه الإشراف وكتاب الإجماع أن الأمة أجمعت أن للمرأة غسل زوجها ، وكذا نقل الإجماع غيره ( وأما ) الرواية التي نقلها صاحب الشامل وغيره عن أحمد أنها ليس لها غسله ، فإن ثبتت عنه فهو محجوج بالإجماع قبله .




                                      الخدمات العلمية