الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون ( 57 ) وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم ( 58 ) )

يقول تعالى ذكره : ومن جهل هؤلاء المشركين وخبث فعلهم ، وقبح فريتهم على ربهم ، أنهم يجعلون لمن خلقهم ودبرهم وأنعم عليهم ، فاستوجب بنعمه عليهم الشكر ، واستحق عليهم الحمد : البنات ، ولا ينبغي أن يكون لله ولد ذكر ولا أنثى سبحانه ، نزه جل جلاله بذلك نفسه عما أضافوا إليه ونسبوه من البنات ، فلم يرضوا بجهلهم إذ أضافوا إليه ما لا ينبغي إضافته إليه ، ولا ينبغي أن يكون له من الولد أن يضيفوا إليه ما يشتهونه لأنفسهم ويحبونه لها ، ولكنهم أضافوا إليه ما يكرهونه لأنفسهم ولا يرضونه لها من البنات ما يقتلونها إذا كانت لهم ، وفي "ما" التي في قوله ( ولهم ما يشتهون ) وجهان من العربية : النصب عطفا لها على البنات ، فيكون معنى الكلام إذا أريد ذلك : ويجعلون لله البنات ولهم البنين الذين يشتهون ، فتكون "ما" للبنين ، والرفع على أن الكلام مبتدأ من قوله ( ولهم ما يشتهون ) فيكون معنى الكلام : ويجعلون لله البنات ولهم البنون .

وقوله : ( وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا ) يقول : وإذا بشر أحد هؤلاء الذين جعلوا لله البنات بولادة ما يضيفه إليه من ذلك له ، ظل وجهه مسودا من كراهته له ( وهو كظيم ) يقول قد كظم الحزن ، وامتلأ غما بولادته له ، فهو لا يظهر ذلك .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون ) ، ثم قال ( وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم ) . . . إلى آخر الآية ، [ ص: 228 ] يقول : يجعلون لله البنات ترضونهن لي ، ولا ترضونهن لأنفسكم ، وذلك أنهم كانوا في الجاهلية إذا ولد للرجل منهم جارية أمسكها على هون ، أو دسها في التراب وهي حية .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم ) وهذا صنيع مشركي العرب ، أخبرهم الله تعالى ذكره بخبث صنيعهم فأما المؤمن فهو حقيق أن يرضى بما قسم الله له ، وقضاء الله خير من قضاء المرء لنفسه ، ولعمري ما يدري أنه خير ، لرب جارية خير لأهلها من غلام . وإنما أخبركم الله بصنيعهم لتجتنبوه وتنتهوا عنه ، وكان أحدهم يغذو كلبه ويئد ابنته .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس ( وهو كظيم ) قال : حزين .

حدثني المثنى ، قال : ثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله ( وهو كظيم ) قال : الكظيم : الكميد . وقد بينا ذلك بشواهده في غير هذا الموضع .

التالي السابق


الخدمات العلمية