nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18nindex.php?page=treesubj&link=28974شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=19إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=20فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد [ ص: 210 ] قرأ
نافع والبصري ( اتبعني ) بالياء في الوصل خاصة ، والباقون بحذفها وصلا ووفقا . بعد ما بين - تعالى - جزاء المتقين وبين حالهم في إيمانهم ومدح أصنافهم الكاملين في أوصافهم بين أصل الإيمان وأساسه فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط صرح كثير من المفسرين بأن شهادة الله هنا من باب الاستعارة ; لأن ما نصبه من الدلائل في الآفاق وفي الأنفس على توحيده وما أوحاه إلى أنبيائه في ذلك يشبه شهادة الشاهد بالشيء في إظهاره وإثباته ، وكذلك شهادة الملائكة عبارة عن إقرارهم بذلك كما قال
البيضاوي . زاد
أبو السعود : وإيمانهم به ، وجعلها من باب عموم المجاز ، وشهادة أولي العلم عبارة عن إيمانهم به واحتياجهم عليه . وقال بعضهم : إن الشهادة من كل بمعنى واحد ، لأنها إما عبارة عن الإخبار المقرون بالعلم وإما عبارة عن الإظهار والبيان ، وكل ذلك حاصل من الله والملائكة وأولي العلم ، فالله - تعالى - أخبر بتوحيده ملائكته ورسله عن علم ، وبينه لهم أتم البيان ، والملائكة أخبروا الرسل وبينوا لهم ، وأولو العلم أخبروا بذلك وبينوه عالمين به لا يزالون كذلك . وأقول : إن ما قاله الأولون ضعيف وأقرب التفسيرين للشهادة في القول الآخر أولهما ، يقال : شهد الشيء إذا حضره وشاهده كقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185فمن شهد منكم الشهر [ 2 : 185 ] وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=49ما شهدنا مهلك أهله [ 27 : 49 ] ويقال شهد به إذا أخبر به عن مشاهدة بالبصر وهو الأكثر والأصل ، أو عن مشاهدة بالبصيرة وهي الاعتقاد والعلم ، كقوله - تعالى - حكاية عن إخوة
يوسف :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=81وما شهدنا إلا بما علمنا [ 12 :81 ] وذلك أنهم أخبروا أباهم
يعقوب بأن ابنه ( شقيق
يوسف ) سرق عن اعتقاد لا عن مشاهدة بالبصر ، وإنما سموا اعتقادهم علما لأنه لم يخطر في بالهم ما يعارض ما رأوه من إخراج صواع الملك من رحل شقيق
يوسف بعد ما نودي فيهم بأن الصواع قد سرق . والحاصل : أن الشهادة بالشيء هي الإخبار به عن علم بالمشاهدة الحسية أو المعنوية وهي الحجة والدليل وهو المختار هنا . ولكن يرد عليه هنا أنه إثبات للتوحيد بالنقل وهو فرع عنه ; لأنه إذا لم يثبت توحيد الله لا يثبت الوحي . ويجاب عنه بأن شهادة الله في كتابه مؤيدة بالبراهين التي قرنها بها وبالآيات على صدق الرسل ، وشهادة الملائكة للأنبياء مقرونة بعلم ضروري هو عند الأنبياء أقوى من جميع اليقينيات البديهية ، وبتلك الدلائل التي أمروا بأن يحتجوا بها على الناس ، وشهادة أولي العلم تقرن عادة بالدلائل والحجج ; لأن العالم بالشيء لا تعوزه الحجة عليه . على أن الكلام في وحدانية الألوهية ، والمشرك بها لا يكون معطلا حتى يقال لا بد من إقناعه بوجود الله إقناعه بشهادته ، بل يكون مقرا بوجود الله ، وإنما شركه باتخاذ الوسطاء يكونون بزعمه وسائل بينه وبين الله يقربونه إليه زلفى ، وبالشفعاء يكونون في وهمه سببا لقضاء حاجاته وتكفير سيئاته ، كما كانت تدين العرب في الجاهلية .
[ ص: 211 ] وقد اختلفوا في أولي العلم ، فقال : هم الصحابة وقيل : علماء أهل الكتاب ، وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري إلى أنهم
المعتزلة ،
والرازي إلى أنهم علماء الأصول . وهذا من عجيب الخلاف ، فإن أولي العلم لا يحتاجون إلى تعريف ولا تفسير ، فهم أصحاب العلم البرهاني القادرون على الإقناع ، وهم معروفون في هذه الأمة وفي الأمم السابقة .
أما قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18قائما بالقسط فمعناه : أنه - تعالى - شهد هذه الشهادة قائما بالقسط وهو العدل في الدين والشريعة ، وفي الكون والطبيعة . فمن الأول : تقرير العدل في الاعتقاد ، كالتوحيد الذي هو وسط بين التعطيل والشرك ، ومن الثاني : جعل سنن الخليقة في الأكوان والإنسان الدالة على حقية الاعتقاد قائمة على أساس العدل ، فمن نظر في هذه السنن ونظامها الدقيق يتجلى له عدل الله العام ، فالقيام بالقسط على هذا من قبيل التنبيه إلى البرهان على صدق شهادته - تعالى - في الأنفس والآفاق ; لأن وحدة النظام في هذا العدل تدل على وحدة واضعه ، وهذا مما يفند تفسير بعضهم للشهادة بأنها عبارة عن خلق ما يدل على الوحدانية من الآيات الكونية والنفسية ، كذلك كانت أحكامه - تعالى - في العبادات والآداب والأعمال مبينة على أساس العدل بين القوى الروحية والبدنية وبين الناس بعضهم مع بعض ، فقد أمر بذكره وشكره في الصلاة وغير الصلاة لترقية الروح وتزكيته ، وأباح الطيبات والزينة لحفظ البدن وتربيته ، ونهى عن الغلو في الدين والإسراف في الدنيا وذلك عين العدل ، فهذا هو القسط في العبادات والأعمال الدنيوية . وأما القسط في الآداب والأخلاق فهو صريح في القرآن كصراحة الأمر بالعدل في الأحكام . قال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=90إن الله يأمر بالعدل والإحسان [ 16 : 90 ] وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل [ 4 : 58 ] .
وإذ قد تجلى لك صدق الشهادة فعليك أن تقر بها قائلا :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18لا إله إلا هو العزيز الحكيم تفرد بالألوهية وكمال العزة والحكمة ، فلا يغلبه أحد على ما قام به من سنن القسط ولا يخرج شيء منها عن مقتضى الحكمة البالغة .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18nindex.php?page=treesubj&link=28974شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=19إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=20فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [ ص: 210 ] قَرَأَ
نَافِعٌ وَالْبَصْرِيُّ ( اتَّبَعَنِي ) بِالْيَاءِ فِي الْوَصْلِ خَاصَّةً ، وَالْبَاقُونَ بِحَذْفِهَا وَصْلًا وَوَفْقًا . بَعْدَ مَا بَيَّنَ - تَعَالَى - جَزَاءَ الْمُتَّقِينَ وَبَيَّنَ حَالَهُمْ فِي إِيمَانِهِمْ وَمَدَحَ أَصْنَافَهُمُ الْكَامِلِينَ فِي أَوْصَافِهِمْ بَيَّنَ أَصْلَ الْإِيمَانِ وَأَسَاسَهُ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ صَرَّحَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ بِأَنَّ شَهَادَةَ اللَّهِ هُنَا مِنْ بَابِ الِاسْتِعَارَةِ ; لِأَنَّ مَا نَصَبَهُ مِنَ الدَّلَائِلِ فِي الْآفَاقِ وَفِي الْأَنْفُسِ عَلَى تَوْحِيدِهِ وَمَا أَوْحَاهُ إِلَى أَنْبِيَائِهِ فِي ذَلِكَ يُشْبِهُ شَهَادَةَ الشَّاهِدِ بِالشَّيْءِ فِي إِظْهَارِهِ وَإِثْبَاتِهِ ، وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ الْمَلَائِكَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إِقْرَارِهِمْ بِذَلِكَ كَمَا قَالَ
الْبَيْضَاوِيُّ . زَادَ
أَبُو السُّعُودِ : وَإِيمَانُهُمْ بِهِ ، وَجَعْلُهَا مِنْ بَابِ عُمُومِ الْمَجَازِ ، وَشَهَادَةُ أُولِي الْعِلْمِ عِبَارَةٌ عَنْ إِيمَانِهِمْ بِهِ وَاحْتِيَاجِهِمْ عَلَيْهِ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ كُلٍّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، لِأَنَّهَا إِمَّا عِبَارَةٌ عَنِ الْإِخْبَارِ الْمَقْرُونِ بِالْعِلْمِ وَإِمَّا عِبَارَةٌ عَنِ الْإِظْهَارِ وَالْبَيَانِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ حَاصِلٌ مِنَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَأُولِي الْعِلْمِ ، فَاللَّهُ - تَعَالَى - أَخْبَرَ بِتَوْحِيدِهِ مَلَائِكَتَهُ وَرُسُلَهُ عَنْ عِلْمٍ ، وَبَيَّنَهُ لَهُمْ أَتَمَّ الْبَيَانِ ، وَالْمَلَائِكَةُ أَخْبَرُوا الرُّسُلَ وَبَيَّنُوا لَهُمْ ، وَأُولُو الْعِلْمِ أَخْبَرُوا بِذَلِكَ وَبَيَّنُوهُ عَالِمِينَ بِهِ لَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ . وَأَقُولُ : إِنَّ مَا قَالَهُ الْأَوَّلُونَ ضَعِيفٌ وَأَقْرَبُ التَّفْسِيرَيْنِ لِلشَّهَادَةِ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ أَوَّلُهُمَا ، يُقَالُ : شَهِدَ الشَّيْءَ إِذَا حَضَرَهُ وَشَاهَدَهُ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ [ 2 : 185 ] وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=49مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ [ 27 : 49 ] وَيُقَالُ شَهِدَ بِهِ إِذَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ مُشَاهَدَةٍ بِالْبَصَرِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ وَالْأَصْلُ ، أَوْ عَنْ مُشَاهَدَةٍ بِالْبَصِيرَةِ وَهِيَ الِاعْتِقَادُ وَالْعِلْمُ ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - حِكَايَةً عَنْ إِخْوَةِ
يُوسُفَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=81وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا [ 12 :81 ] وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَخْبَرُوا أَبَاهُمْ
يَعْقُوبَ بِأَنَّ ابْنَهُ ( شَقِيقَ
يُوسُفَ ) سَرَقَ عَنِ اعْتِقَادٍ لَا عَنْ مُشَاهَدَةٍ بِالْبَصَرِ ، وَإِنَّمَا سَمُّوا اعْتِقَادَهُمْ عِلْمًا لِأَنَّهُ لَمْ يَخْطُرْ فِي بَالِهِمْ مَا يُعَارِضُ مَا رَأَوْهُ مِنْ إِخْرَاجِ صُوَاعِ الْمَلِكِ مِنْ رَحْلِ شَقِيقِ
يُوسُفَ بَعْدَ مَا نُودِيَ فِيهِمْ بِأَنَّ الصُّوَاعَ قَدْ سُرِقَ . وَالْحَاصِلُ : أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالشَّيْءِ هِيَ الْإِخْبَارُ بِهِ عَنْ عِلْمٍ بِالْمُشَاهَدَةِ الْحِسِّيَّةِ أَوِ الْمَعْنَوِيَّةِ وَهِيَ الْحُجَّةُ وَالدَّلِيلُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ هُنَا . وَلَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ هُنَا أَنَّهُ إِثْبَاتٌ لِلتَّوْحِيدِ بِالنَّقْلِ وَهُوَ فَرْعٌ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَثْبُتْ تَوْحِيدُ اللَّهِ لَا يَثْبُتِ الْوَحْيُ . وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ شَهَادَةَ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ مُؤَيَّدَةٌ بِالْبَرَاهِينِ الَّتِي قَرَنَهَا بِهَا وَبِالْآيَاتِ عَلَى صِدْقِ الرُّسُلِ ، وَشَهَادَةُ الْمَلَائِكَةِ لِلْأَنْبِيَاءِ مَقْرُونَةٌ بِعِلْمٍ ضَرُورِيٍّ هُوَ عِنْدَ الْأَنْبِيَاءِ أَقْوَى مِنْ جَمِيعِ الْيَقِينِيَّاتِ الْبَدِيهِيَّةِ ، وَبِتِلْكَ الدَّلَائِلِ الَّتِي أُمِرُوا بِأَنْ يَحْتَجُّوا بِهَا عَلَى النَّاسِ ، وَشَهَادَةُ أُولِي الْعِلْمِ تُقْرَنُ عَادَةً بِالدَّلَائِلِ وَالْحُجَجِ ; لِأَنَّ الْعَالِمَ بِالشَّيْءِ لَا تَعُوزُهُ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ . عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي وَحْدَانِيَّةِ الْأُلُوهِيَّةِ ، وَالْمُشْرِكُ بِهَا لَا يَكُونُ مُعَطَّلًا حَتَّى يُقَالَ لَا بُدَّ مِنْ إِقْنَاعِهِ بِوُجُودِ اللَّهِ إِقْنَاعُهُ بِشَهَادَتِهِ ، بَلْ يَكُونُ مُقِرًّا بِوُجُودِ اللَّهِ ، وَإِنَّمَا شِرْكُهُ بِاتِّخَاذِ الْوُسَطَاءِ يَكُونُونَ بِزَعْمِهِ وَسَائِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ يُقَرِّبُونَهُ إِلَيْهِ زُلْفَى ، وَبِالشُّفَعَاءِ يَكُونُونَ فِي وَهْمِهِ سَبَبًا لِقَضَاءِ حَاجَاتِهِ وَتَكْفِيرِ سَيِّئَاتِهِ ، كَمَا كَانَتْ تَدِينُ الْعَرَبَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ .
[ ص: 211 ] وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي أُولِي الْعِلْمِ ، فَقَالَ : هُمُ الصَّحَابَةُ وَقِيلَ : عُلَمَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ إِلَى أَنَّهُمُ
الْمُعْتَزِلَةُ ،
وَالرَّازِيُّ إِلَى أَنَّهُمْ عُلَمَاءُ الْأُصُولِ . وَهَذَا مِنْ عَجِيبِ الْخِلَافِ ، فَإِنَّ أُولِي الْعِلْمِ لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى تَعْرِيفٍ وَلَا تَفْسِيرٍ ، فَهُمْ أَصْحَابُ الْعِلْمِ الْبُرْهَانِيِّ الْقَادِرُونَ عَلَى الْإِقْنَاعِ ، وَهُمْ مَعْرُوفُونَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَفِي الْأُمَمِ السَّابِقَةِ .
أَمَّا قَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18قَائِمًا بِالْقِسْطِ فَمَعْنَاهُ : أَنَّهُ - تَعَالَى - شَهِدَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ قَائِمًا بِالْقِسْطِ وَهُوَ الْعَدْلُ فِي الدِّينِ وَالشَّرِيعَةِ ، وَفِي الْكَوْنِ وَالطَّبِيعَةِ . فَمِنَ الْأَوَّلِ : تَقْرِيرُ الْعَدْلِ فِي الِاعْتِقَادِ ، كَالتَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ وَسَطٌ بَيْنَ التَّعْطِيلِ وَالشِّرْكِ ، وَمِنَ الثَّانِي : جَعْلُ سُنَنِ الْخَلِيقَةِ فِي الْأَكْوَانِ وَالْإِنْسَانِ الدَّالَّةِ عَلَى حَقِّيَةِ الِاعْتِقَادِ قَائِمَةً عَلَى أَسَاسِ الْعَدْلِ ، فَمَنْ نَظَرَ فِي هَذِهِ السُّنَنِ وَنِظَامِهَا الدَّقِيقِ يَتَجَلَّى لَهُ عَدْلُ اللَّهِ الْعَامِّ ، فَالْقِيَامُ بِالْقِسْطِ عَلَى هَذَا مِنْ قَبِيلِ التَّنْبِيهِ إِلَى الْبُرْهَانِ عَلَى صِدْقِ شَهَادَتِهِ - تَعَالَى - فِي الْأَنْفُسِ وَالْآفَاقِ ; لِأَنَّ وَحْدَةَ النِّظَامِ فِي هَذَا الْعَدْلِ تَدُلُّ عَلَى وَحْدَةِ وَاضِعِهِ ، وَهَذَا مِمَّا يُفَنِّدُ تَفْسِيرَ بَعْضِهِمْ لِلشَّهَادَةِ بِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ خَلْقِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ مِنَ الْآيَاتِ الْكَوْنِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةِ ، كَذَلِكَ كَانَتْ أَحْكَامُهُ - تَعَالَى - فِي الْعِبَادَاتِ وَالْآدَابِ وَالْأَعْمَالِ مَبْيِنَّةً عَلَى أَسَاسِ الْعَدْلِ بَيْنَ الْقُوَى الرُّوحِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ وَبَيْنَ النَّاسِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ ، فَقَدْ أَمَرَ بِذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِ الصَّلَاةِ لِتَرْقِيَةِ الرُّوحِ وَتَزْكِيَتِهِ ، وَأَبَاحَ الطَّيِّبَاتِ وَالزِّينَةَ لِحِفْظِ الْبَدَنِ وَتَرْبِيَتِهِ ، وَنَهَى عَنِ الْغُلُوِّ فِي الدِّينِ وَالْإِسْرَافِ فِي الدُّنْيَا وَذَلِكَ عَيْنُ الْعَدْلِ ، فَهَذَا هُوَ الْقِسْطُ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْأَعْمَالِ الدُّنْيَوِيَّةِ . وَأَمَّا الْقِسْطُ فِي الْآدَابِ وَالْأَخْلَاقِ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْقُرْآنِ كَصَرَاحَةِ الْأَمْرِ بِالْعَدْلِ فِي الْأَحْكَامِ . قَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=90إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ [ 16 : 90 ] وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [ 4 : 58 ] .
وَإِذْ قَدْ تَجَلَّى لَكَ صِدْقُ الشَّهَادَةِ فَعَلَيْكَ أَنْ تُقِرَّ بِهَا قَائِلًا :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ تَفَرَّدَ بِالْأُلُوهِيَّةِ وَكَمَالِ الْعِزَّةِ وَالْحِكْمَةِ ، فَلَا يَغْلِبُهُ أَحَدٌ عَلَى مَا قَامَ بِهِ مِنْ سُنَنِ الْقِسْطِ وَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْهَا عَنْ مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ .