الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 5433 ] إشارة إلى بعض قصة موسى - عليه السلام -

                                                          قال (تعالى): إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين

                                                          " إذ " ؛ ظرف دال على الزمان؛ وهو متعلق بـ " تلقى " ؛ في الآية السابقة؛ أي أنك تتلقى القرآن من حكيم عليم صادق في الوقت الذي جرت فيه أحداث قصة موسى وفرعون؛ فهي قصة صادقة من لدن حكيم عليم؛ هو الله - سبحانه - الذي أحاط بكل شيء علما.

                                                          ونجد أن قصة موسى هنا في جملتها ليست مكررة مع غيرها؛ وقد فصلت جزءا لم يفصل في موضع آخر؛ فصل فيه بعض حياته مع أهله؛ وفصل فيه لقاءه [ ص: 5434 ] بربه؛ والكلام الذي كان بينهما؛ وذكر ارتباطه بالرسالة؛ ودليلها؛ وهو العصا؛ وإخراج اليد من الجيب بيضاء من غير سوء؛ وكونها في تسع آيات قدمها لفرعون؛ برهانا على الرسالة؛ وإذا كانت بعض الأمور ذكرت مكررة؛ كالعصا; فلأن المقام اقتضاها؛ وليست ثابتة بالقصد الأول؛ بل هي جاءت تابعة لإثبات الرسالة لموسى نفسه؛ لا لإثباتها لغيره؛ وهو فرعون وقومه؛ أي: لإثبات أن الذي يخاطبه من وراء الشجرة ربه؛ لا أحد غيره.

                                                          كان موسى وأهله في ليلة ليلاء؛ قرور؛ شديد بردها؛ يلتمسون ما يستدفئون من نار؛ فنظر في الجو؛ فحسب أنه رأى نارا؛ فقال لأهله: إني آنست نارا ؛ أي: رأيت نارا؛ قال وهو يتمناها؛ ويرعاها؛ كقوله (تعالى): فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ؛ سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس ؛ أي: إني ذاهب إليها لعلي آتيكم منها بخبر نستفيد منه علم ما لم نكن نعلم؛ أو شهاب؛ والشهاب هو الشعلة المشتعلة من نجم أو نار أو نحوها؛ و " قبس " ؛ بدل؛ أو عطف بيان؛ والقبس هو القطعة من جذوة النار؛ أي: آتيكم بقطعة من النار شديدة الاشتعال فنلقيها حول أحطاب نستدفئ منها؛ وهذا معنى لعلكم تصطلون ؛ أي: تستدفئون بها؛ فيقال: من " صلى " ؛ قلبت التاء طاء; لأنها من حروف الإطباق؛ أي: رجاء أن تستدفئوا؛ ومؤدى ذلك أنهم كانوا في برد شديد؛ وهكذا عاش من تربى في بيت فرعون؛ فهو يذوق الحر والبرد في صحراء؛ في هذا الوقت؛ وفي هذه الشديدة؛ بعث موسى - عليه السلام.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية