الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                [ ص: 356 ] [سورة الأعلى]

                                                                                                                                                                                                مكية، وآياتها 19

                                                                                                                                                                                                [نزلت بعد التكوير]

                                                                                                                                                                                                بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى

                                                                                                                                                                                                تسبيح اسمه - عز وعلا -: تنزيهه عما لا يصح فيه من المعاني التي هي إلحاد في أسمائه، كالجبر والتشبيه ونحو ذلك، مثل أن يفسر الأعلى بمعنى العلو الذي هو القهر والاقتدار، لا بمعنى العلو في المكان والاستواء على العرش حقيقة; وأن يصان عن الابتذال والذكر، لا على وجه الخشوع والتعظيم. ويجوز أن يكون الأعلى صفة للرب، والاسم; وقرأ علي - رضي الله عنه -: سبحان ربي الأعلى. وفي الحديث لما نزلت: فسبح باسم ربك العظيم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوها في ركوعكم" فلما نزل سبح اسم ربك الأعلى قال: "اجعلوها في سجودكم" وكانوا يقولون في الركوع: [ ص: 357 ] اللهم لك ركعت، وفي السجود: اللهم لك سجدت. خلق فسوى أي: خلق كل شيء فسوى خلقه تسوية، ولم يأت به متفاوتا غير ملتئم، ولكن على إحكام واتساق، ودلالة على أنه صادر عن عالم، وأنه صنعة حكيم. قدر فهدى قدر لكل حيوان ما يصلحه، فهداه إليه وعرفه وجه الانتفاع به. يحكى أن الأفعى إذا أتت عليها ألف سنة عميت، وقد ألهمها الله أن مسح العين بورق الرازيانج الغض يرد إليها بصرها، فربما كانت في برية بينها وبين الريف مسيرة أيام فتطوي تلك المسافة على طولها وعلى عماها حتى تهجم في بعض البساتين على شجرة الرازيانج لا تخطئها، فتحك بها عينيها وترجع باصرة بإذن الله.

                                                                                                                                                                                                وهدايات الله للإنسان إلى ما لا يحد من مصالحه وما لا يحصر من حوائجه في أغذيته وأدويته، وفي أبواب دنياه ودينه، وإلهامات البهائم والطيور وهوام الأرض: باب واسع، وشوط بطين، لا يحيط به وصف واصف; فسبحان ربي الأعلى. وقرئ: "قدر" بالتخفيف أحوى صفة ل "غثاء"، أي: أخرج المرعى أنبته فجعله بعد خضرته ورفيفه غثاء أحوى درينا أسود. ويجوز أن يكون أحوى حالا من المرعى، أي: أخرجه أحوى أسود من شدة الخضرة والري، فجعله غثاء بعد حويه.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية