الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4080 باب: رقية اللديغ: بأم القرآن

                                                                                                                              وقال النووي: (باب جواز أخذ الأجرة، على الرقية: بالقرآن والأذكار) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص187-188 ج14، المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أبي سعيد الخدري؛ أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا في سفر فمروا بحي من أحياء العرب، فاستضافوهم فلم يضيفوهم. فقالوا لهم: هل فيكم راق؟ فإن سيد الحي لديغ -أو مصاب- فقال رجل منهم: نعم. فأتاه فرقاه بفاتحة الكتاب، فبرأ الرجل. فأعطي قطيعا من غنم، فأبى أن يقبلها. وقال حتى أذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له؛ فقال: يا رسول الله! والله! ما رقيت إلا بفاتحة الكتاب. فتبسم. وقال: وما أدراك [ ص: 289 ] أنها رقية؟" ثم قال: "خذوا منهم، واضربوا لي بسهم معكم" ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه؛ (أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم، كانوا في سفر. فمروا بحي من أحياء العرب، فاستضافوهم فلم يضيفوهم. فقالوا لهم: هل فيكم من راق؟ فإن سيد الحي لديغ -أو مصاب-) . استعمال "اللدغ" في ضرب العقرب: مجاز. والأصل فيه، أنه الذي يضرب بفيه. والذي يضرب بمؤخره، يقال له: "لسع". وبأسنانه: "نهس" وبأنفه: "نكز". وبنابه: "نشط". هذا هو الأصل. وقد يستعمل بعضها مكان بعض، تجوزا.

                                                                                                                              (فقال رجل منهم: "نعم") . قال في الفتح: لم أقف على اسمه. (فأتاه، فرقاه بفاتحة الكتاب، فبرأ الرجل، فأعطي قطيعا من غنم، فأبى أن يقبلها) .

                                                                                                                              "القطيع": هو الطائفة من الغنم، وسائر النعم. قال أهل الفقه: الغالب استعماله، في ما بين العشر والأربعين. وقيل: ما بين خمسة عشر، إلى خمس وعشرين. وجمعه: "أقطاع"، وأقطعة، وقطعان، [ ص: 290 ] وقطاع، وأقاطيع. كحديث، وأحاديث. والمراد به هنا: ثلاثون شاة. كذا جاء مبينا.

                                                                                                                              (وقال: حتى أذكر ذلك، لرسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم فأتى النبي، صلى الله عليه) وآله (وسلم، فذكر ذلك له، فقال: يا رسول الله! والله! ما رقيت إلا بفاتحة الكتاب. فتبسم، وقال: "وما أدراك أنها رقية؟") .

                                                                                                                              فيه: التصريح بأنها رقية. فيستحب: أن يقرأ بها على اللديغ، والمريض، وسائر أصحاب الأسقام والعاهات. قال ابن القيم: إذا ثبت أن لبعض الكلام خواص ومنافع، فما الظن بكلام رب العالمين؟ ثم بالفاتحة، التي لم ينزل في القرآن، ولا غيره من الكتب: مثلها؟. لتضمنها جميع معاني الكتاب. فقد اشتملت: على ذكر أصول أسماء الله ومجامعها، وإثبات المعاد، وذكر التوحيد، والافتقار إلى الرب في طلب الإعانة به، والهداية منه، وذكر أفضل الدعاء، وهو طلب الهداية إلى الصراط المستقيم، المتضمن كمال معرفته وتوحيده وعبادته: بفعل ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه، والاستعانة عليه. ولتضمنها: ذكر أصناف الخلائق، وقسمتهم إلى: منعم عليه، لمعرفته بالحق والعمل به. ومغضوب عليه، لعدوله عن الحق، بعد معرفته. وضال، لعدم معرفته له. مع ما تضمنته من إثبات القدر، والشرع، والأسماء، [ ص: 291 ] والمعاد، والتوبة، وتزكية النفس، وإصلاح القلب، والرد على جميع أهل البدع. وحقيق بسورة هذا بعض شأنها: أن يستشفى بها من كل داء. والله أعلم.

                                                                                                                              (ثم قال: "خذوا منهم. واضربوا لي بسهم معكم") وزاد في رواية أخرى لفظ: "اقسموا" قبل: "اضربوا". هذا تصريح بجواز أخذ الأجرة: على الرقية بالفاتحة، والذكر. وأنها حلال، لا كراهية فيها. قال النووي: وكذا الأجرة: على تعليم القرآن. قال: وهذا مذهب الشافعي، ومالك، وأحمد، وإسحاق"، وأبي ثور، وآخرين من السلف ومن بعدهم. ومنعها "أبو حنيفة" في تعليم القرآن، وأجازها في الرقية. انتهى. وهو الراجح: لحديث ورد في هذا. قال: وهذه القسمة، من باب المروءات والتبرعات، ومواساة الأصحاب والرفاق، وإلا فجميع الشياه: ملك للراقي، مختصة به، لا حق للباقين فيها، عند التنازع. فقاسمهم: تبرعا، وجودا، ومروءة. وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اضربوا لي بسهم": تطييبا لقلوبهم، ومبالغة في تعريفهم: أنه حلال، لا شبهة فيه. وقد فعل، صلى الله عليه وآله وسلم، في حديث العنبر، وفي حديث أبي قتادة "في حمار الوحش": مثله.




                                                                                                                              الخدمات العلمية