الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما الذي يرجع إلى الخارج من الزرع فأنواع ( منها ) : أن يكون مذكورا في العقد حتى لو سكت عنه فسد العقد ; لأن المزارعة استئجار ، والسكوت عن ذكر الأجرة يفسد الإجارة ( ومنها ) : أن يكون لهما حتى لو شرطا أن يكون الخارج لأحدهما يفسد العقد ; لأن معنى الشركة لازم لهذا العقد ، وكل شرط يكون قاطعا للشركة يكون مفسدا للعقد ( ومنها ) : أن تكون حصة كل واحد من المزارعين بعض الخارج حتى لو شرطا أن يكون من غيره لا يصح العقد لأن المزارعة استئجار ببعض الخارج به تنفصل عن الإجارة المطلقة ( ومنها ) : أن يكون ذلك البعض من الخارج معلوم القدر من النصف والثلث والربع ونحوه ; لأن ترك التقدير يؤدي إلى الجهالة المفضية إلى المنازعة ; ولهذا شرط بيان مقدار الأجرة في الإجارات كذا هذا ( ومنها ) : أن يكون جزءا شائعا من الجملة حتى لو شرط لأحدهما قفزانا معلومة لا يصح العقد ; لأن المزارعة فيها معنى الإجارة ، والشركة تنعقد إجارة ثم تتم شركة .

                                                                                                                                ( أما ) معنى الإجارة فلأن الإجارة تمليك المنفعة بعوض ، والمزارعة كذلك ; لأن البذر إن كان من رب الأرض ، فالعامل يملك منفعة نفسه من رب الأرض بعوض ، وهو نماء بذره ، وإن كان البذر من قبل العامل فرب الأرض يملك منفعة أرضه من العامل بعوض هو نماء بذره ، فكانت المزارعة استئجارا ، إما للعامل ، وإما للأرض ، لكن ببعض الخارج .

                                                                                                                                وأما معنى الشركة [ ص: 178 ] فلأن الخارج يكون مشتركا بينهما على الشرط المذكور ، وإذا ثبت أن معنى الإجارة والشركة لازم لهذا العقد فاشتراط قدر معلوم من الخارج ينفي لزوم معنى الشركة لاحتمال أن الأرض لا تخرج زيادة على القدر المعلوم ; ولهذا إذا شرط في المضاربة سهم معلوم من الربح لا يصح كذا هذا ، وكذا إذا ذكر جزءا شائعا ، وشرط معه زيادة أقفزة معلومة أنه لا يصح لما قلنا ، وعلى هذا إذا شرط أحدهما البذر لنفسه ، وأن يكون الباقي بينهما لا تصح المزارعة ; لجواز أن لا تخرج الأرض إلا قدر البذر ، فيكون كل الخارج له فلا يوجد معنى الشركة ، ولأن هذا في الحقيقة شرط قدر البذر أن يكون له لا عين البذر ; لأن عينه تهلك في التراب ، وذا لا يصح ; لما ذكرنا ، وهذا بخلاف المضاربة ; لأن قدر رأس المال يرفع ، ويقسم الباقي على الشرط ; لأن المضاربة تقتضي الشركة في الربح لا في غيره ، ودفع رأس المال لانعدام معنى الشركة في الربح ( فأما ) المزارعة فتقتضي الشركة في كل الخارج ، واشتراط قدر معلوم من الخارج يمنع تحقق الشركة في كله ، فهو الفرق بين الفصلين ، وكذا إذا شرطا ما على الماذيانات والسواقي لا يصح العقد ; لأن ما على الماذيانات والسواقي معلوم ، فشرطه يمنع لزوم الشركة في العقد ، وقد روي أنهم كانوا يشترطون في عقد المزارعة لأحدهما ما على الماذيانات والسواقي ، فلما بعث النبي المكرم - عليه أفضل التحية - أبطله .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية