الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها

استئناف فيه إيضاح ما سبقه من اختلاف أحوال الناس في قبول الهدى ورفضه بسبب ما تهيأت خلقة النفوس إليه ليظهر به أن الاختلاف بين أفراد الأصناف والأنواع ناموس جبلي فطر الله عليه مخلوقات هذا العالم الأرضي .

والخطاب للنبيء - صلى الله عليه وسلم - ليدفع عنه اغتمامه من مشاهدة عدم انتفاع المشركين بالقرآن .

وضرب اختلاف الظواهر في أفراد الصنف الواحد مثلا لاختلاف البواطن تقريبا للأفهام ، فكان هذا الاستئناف من الاستئناف البياني ؛ لأن مثل هذا التقريب مما تشرئب إليه الأفهام عند سماع قوله إن الله يسمع من يشاء .

والرؤية بصرية ، والاستفهام تقريري ، وجاء التقرير على النفي على ما هو المستعمل كما بيناه عند قوله تعالى ألم يروا أنه لا يكلمهم في سورة ( الأعراف ) وفي آيات أخرى .

وضمير فأخرجنا التفات من الغيبة إلى التكلم .

والألوان : جمع لون وهو عرض ، أي كيفية تعرض لسطوح الأجسام يكيفه النور كيفيات مختلفة على اختلاف ما يحصل منها عند انعكاسها إلى عدسات الأعين [ ص: 301 ] من شبه الظلمة وهو لون السواد وشبه الصبح هو لون البياض ، فهما الأصلان للألوان ، وتنشق منها ألوان كثيرة وضعت لها أسماء اصطلاحية وتشبيهية . وتقدم عند قوله تعالى قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها في سورة البقرة ، وتقدم في سورة النحل .

والمقصود من الاعتبار هو اختلاف ألوان الأصناف من النوع الواحد كاختلاف ألوان التفاح مع ألوان السفرجل ، وألوان العنب مع ألوان التين ، واختلاف ألوان الأفراد من الصنف الواحد تارات كاختلاف ألوان التمور والزيتون والأعناب والتفاح والرمان .

وذكر إنزال الماء من السماء إدماج في الغرض للاعتبار بقدرة الله مع ما فيه من اتحاد أصل نشأة الأصناف والأنواع كقوله تعالى تسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل ، وذلك أرعى للاعتبار .

وجيء بالجملتين الفعليتين في " أنزل " و أخرجنا لأن إنزال الماء وإخراج الثمرات متجدد آنا فآنا .

والالتفات من الغيبة إلى التكلم في قوله " أنزل " وقوله " أخرجنا " لأن الاسم الظاهر أنسب بمقام الاستدلال على القدرة لأنه الاسم الجامع لمعاني الصفات .

وضمير التكلم أنسب بما فيه امتنان .

وقدم الاعتبار باختلاف أحوال الثمرات لأن في اختلافها سعة تشبه سعة اختلاف الناس في المنافع والمدارك والعقائد . وفي الحديث مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب ، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة طعمها طيب ولا ريح لها ، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها .

وجرد مختلفا من علامة التأنيث مع أن فاعله جمع وشأن النعت السببي أن يوافق مرفوعه في التذكير وضده والإفراد وضده ، ولا يوافق في ذلك منعوته [ ص: 302 ] لأنه لما كان الفاعل جمعا لما لا يعقل وهو الألوان كان حذف التاء في مثله جائزا في الاستعمال ، وآثره القرآن إيثارا للإيجاز .

والمراد بالثمرات : ثمرات النخيل والأعناب وغيرها ، فثمرات النخيل أكثر الثمرات ألوانا ، فإن ألوانها تختلف باختلاف أطوارها ، فمنها الأخضر والأصفر والأحمر والأسود .

التالي السابق


الخدمات العلمية