الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3561 ) مسألة ; قال : ( ومن أحيل بحقه على مليء ، فواجب عليه أن يحتال ) المليء : هو القادر على الوفاء . جاء في الحديث ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { : إن الله تعالى يقول : من يقرض المليء غير المعدم . } وقال الشاعر :

                                                                                                                                            تطيلين لياني وأنت مليئة وأحسن يا ذات الوشاح التقاضيا

                                                                                                                                            يعني قادرة على وفائي . والظاهر أن الخرقي أراد بالمليء هاهنا القادر على الوفاء غير الجاحد ولا المماطل . قال أحمد في تفسير المليء ، كأن المليء عنده ، أن يكون مليا بماله وقوله وبدنه ونحو هذا .

                                                                                                                                            فإذا أحيل على من هذه صفته لزم المحتال والمحال عليه القبول ، ولم يعتبر رضاهما . وقال أبو حنيفة : يعتبر رضاهما ; لأنها معاوضة ، فيعتبر الرضا من المتعاقدين . وقال مالك والشافعي : يعتبر رضى المحتال ; لأن حقه في ذمة المحيل ، فلا يجوز نقله إلى غيرها بغير رضاه ، كما لا يجوز أن يجبره على أن يأخذ بالدين عرضا .

                                                                                                                                            فأما المحال عليه ، فقال مالك : لا يعتبر رضاه ، إلا أن يكون المحتال عدوه . وللشافعي في اعتبار رضائه قولان ; أحدهما : يعتبر . وهو يحكي عن الزهري ; لأنه [ ص: 340 ] أحد من تتم به الحوالة ، فأشبه المحيل . والثاني : لا يعتبر ; لأنه أقامه في القبض مقام نفسه ، فلم يفتقر إلى رضى من عليه الحق كالتوكيل . ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : { إذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع } . ولأن للمحيل أن يوفي الحق الذي عليه بنفسه وبوكيله ، وقد أقام المحال عليه مقام نفسه في التقبيض فلزم المحال القبول ، كما لو وكل رجلا في إبقائه ، وفارق ما إذا أراد أن يعطيه عما في ذمته عرضا ; لأنه يعطيه غير ما وجب له ، فلم يلزمه قبوله .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية