الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( باب الوطء الذي يوجب الحد والذي لا يوجبه ) [ ص: 247 ] قال ( الوطء الموجب للحد هو الزنا ) وإنه في عرف الشرع واللسان : وطء الرجل المرأة في القبل في غير الملك ، وشبهة الملك لأنه فعل محظور ، والحرمة على الإطلاق عند التعري عن الملك وشبهته ، [ ص: 248 - 249 ] يؤيد ذلك قوله عليه الصلاة والسلام { ادرءوا الحدود بالشبهات } ثم الشبهة نوعان : شبهة في الفعل وتسمى شبهة اشتباه ، وشبهة في المحل وتسمى شبهة حكمية . [ ص: 250 ]

فالأولى تتحقق في حق من اشتبه عليه ; لأن معناه أن يظن غير الدليل دليلا ولا بد من الظن ليتحقق الاشتباه .

والثانية تتحقق بقيام الدليل النافي للحرمة في ذاته ولا تتوقف على ظن الجاني واعتقاده . والحد يسقط بالنوعين لإطلاق الحديث . والنسب يثبت في الثانية إذا ادعى الولد ، ولا يثبت في الأولى وإن ادعاه لأن الفعل تمحض زنا في الأولى ; وإن سقط الحد لأمر راجع إليه وهو اشتباه الأمر عليه ولم يتمحض في الثانية فشبهة الفعل في ثمانية [ ص: 251 ] مواضع : جارية أبيه وأمه وزوجته ، والمطلقة ثلاثا وهي في العدة ، وبائنا بالطلاق على مال وهي في العدة ، وأم ولد أعتقها مولاها وهي في العدة ، وجارية المولى في حق العبد ، والجارية المرهونة في حق المرتهن في رواية كتاب الحدود . [ ص: 252 ] ففي هذه المواضع لا حد عليه إذا قالت : ظننت أنها تحل لي . ولو قال علمت أنها علي حرام وجب الحد . والشبهة في المحل في ستة مواضع : جارية ابنه ، والمطلقة طلاقا بائنا بالكنايات ، والجارية المبيعة في حق البائع قبل التسليم والمرهونة في حق الزوج قبل القبض ، والمشتركة بينه وبين غيره ، والمرهونة في حق المرتهن في رواية كتاب الرهن . ففي هذه المواضع لا يجب الحد وإن قال علمت أنها علي حرام .

التالي السابق


( باب الوطء الذي يوجب الحد والذي لا يوجبه ) لما كان الكتاب إنما هو معقود لبيان الحدود كان الحد هو المقصود الأصلي ، فلزم الابتداء بتعريفه لغة وشرعا ففعل المصنف ذلك ، ثم أراد تقديم حد الزنا فقدمه وأعطى أحكامه لأنها هي المقصودة ، وذلك بثبوت سببه . وحاصل أحكامه كيفية ثبوته وشروطها وكيفية إقامته وشروطها فكان تصور حقيقة السبب الذي هو الزنا بالنسبة إلى مقصود الكتاب ثانيا ، وإن كان بالنسبة إلى التحقق في الوجود أولا فأخر المصنف تعريفه إلى أن فرغ من المقاصد الأصلية ، وذكر أن الزنا في عرف اللغة والشرع : يعني لم يزد عليه في الشرع قيد وعرفه على هذا [ ص: 247 ] التقدير بأنه ( وطء الرجل المرأة في القبل في غير الملك وشبهة الملك ) وهذا لأن في اللغة معنى الملك أمر ثابت قبل مجيء هذا الشرع وإن كان هو في نفسه أمرا شرعيا ، لكن ثبوته بالشرع الأول بالضرورة ، والناس لم يتركوا سدى في وقت من الأوقات فيكون معنى الملك أمرا مشروعا من بعث آدم عليه السلام ، أو من قبل بعثه بوحي يخصه : أي يخص الملك فكان ثبوته شرعا مع اللغة مطلقا في الوجود الدنيوي سواء كانت اللغة عربية أم غيرها مخصوصة بالدنيا ، وإن كان الوضع قبلها فثبوت المسمى في الدنيا والوضع لمعنى معقول قبل تحققه ، ولا شك في أنه تعريف للزنا في اللغة والشرع ، فإن الشرع لم يخص اسم الزنا بما يوجب الحد منه بل هو أعم ، والموجب للحد منه بعض أنواعه ، ولذا قال صلى الله عليه وسلم : { العينان تزنيان وزناهما النظر }

ولو وطئ رجل جارية ابنه لا يحد للزنا ولا يحد قاذفه بالزنا ، فدل على أن فعله زنا ، وإن كان لا يحد به ، فلولا قول المصنف الموجب للحد هو الزنا وهو في عرف الشرع إلخ لصح تعريفه ولم يرد عليه شيء ، لكنه لما قال ذلك كان ظاهرا في قصده إلى تعريف الزنا الموجب للحد ، وحينئذ يرد على طرده وطء الصبية التي لا تشتهى ووطء المجنون والمكره ، بخلاف الصبي ، فإن الجنس وطء الرجل ، فالأولى في تعريفه أنه وطء مكلف طائع مشتهاة حالا أو ماضيا في القبل بلا شبهة ملك في دار الإسلام ، فخرج زنا الصبي والمجنون والمكره وبالصبية التي تشتهى والميتة والبهيمة ودخل وطء [ ص: 248 ] العجوز ، ولكن يرد على عكسه زنا المرأة فإنه زنا ولا يصدق عليه جنس التعريف . وما أجيب به من أن زناها يدخل بطريق التبعية بسبب التمكين طوعا ، إن كان معناه أن لها زنا حقيقة وأن ذلك التمكين هو مسمى زنا لغة وتسمى هي زانية حقيقة لغوية بالتمكين ، فلا شك في أنه لا يشمله الجنس الذي هو وطء المكلف لأنه ليس هو عين تمكين المرأة ففساد الحد بحاله .

وكون فعلها تبعا لفعله إنما هو في الوجود الخارجي ، والكلام في تناول اللفظ ، وإن أريد أنها لا تسمى زانية حقيقة أصلا وأن تسميتها في قوله تعالى { الزانية والزاني } بطريق المجاز فلا حاجة إلى أنه تبع بل لا يجوز إدخاله في التعريف . وعلى هذا كلام السرخسي والمصنف وغيرهما في مسألة ما إذا مكنت البالغة العاقلة المسلمة مجنونا أو صبيا على قول أبي حنيفة لا يحد واحد منهما على ما سيأتي . وبما ذكرنا يظهر فساد ما أجاب به بعضهم بأن فعل الوطء أمر مشترك بينهما ، فإذا وجد فعل الوطء بينهما يتصف كل منهما به وتسمى هي واطئة ولذا سماها سبحانه زانية . وأعجب من هذا الجواب أنه قال في الإيراد المذكور على التعريف مغالطة ، والقطع بأن وطأه ليس يصدق على تمكينها بهو هو ، فإذا جعل الجنس وطء الرجل فكيف ينتظم اللفظ تمكين المرأة وكون الفعل الجزئي الخارجي إذا وجد من الرجل في الخارج يستدعي فعلا آخر منها إذا كانت طائعة لا يقتضي أن اللفظ الخاص بفعله يشمله والله الموفق .

فالحق أنها إن كانت زانية حقيقة وأريد شمول التعريف لزناها فلا بد من زيادة قوله أو تمكينها ، بل يجب أن يقال ذلك بالنسبة إلى كل منهما فيقال : إدخال المكلف الطائع قدر حشفته قبل مشتهاة حالا أو ماضيا بلا ملك وشبهة أو تمكينه من ذلك أو تمكينها ليصدق على ما لو كان مستلقيا فقعدت على ذكره فتركها حتى أدخلته فإنهما يحدان في هذه الصورة وليس الموجود منه سوى التمكين .

وقوله لأنه فعل إلخ تعليل لأخذ عدم الملك وشبهته في الزنا : أي إنما شرط ذلك لأن الزنا محظور فلا بد في تحققه من ذلك . وقوله يؤيده الحديث : أي يؤيد الأمرين معا ، وذلك أنه لما أفاد عدم الحرمة المطلقة بسبب درء الحد بالشبهة أفاد عدمها ، ودرء الحد عند حقيقة الملك كما في الجارية المشتركة بطريق أولى فهو بدلالته ، ثم الحديث المذكور قيل لم يحفظ مرفوعا ، وذكر أنه في الخلافيات للبيهقي عن علي رضي الله عنه ، وهو في مسند أبي حنيفة عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ادرءوا الحدود بالشبهات } وأسند ابن أبي شيبة عن إبراهيم هو النخعي قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لأن أعطل الحدود بالشبهات أحب إلي من أن أقيمها بالشبهات .

وأخرج عن معاذ وعبد الله بن مسعود وعقبة بن عامر رضي الله عنهم قالوا : إذا اشتبه عليك الحد فادرأه . ونقل ابن حزم عن أصحابهم الظاهرية أن الحد بعد ثبوته لا يحل أن يدرأ بشبهة ، وشنع بأن الآثار المذكورة لإثبات الدرء بالشبهات ليس فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء بل عن بعض الصحابة من طرق لا خير فيها ، وأعل ما عن ابن مسعود مما رواه عبد الرزاق عنه بالإرسال وهو غير رواية ابن أبي شيبة فإنها معلولة بإسحاق بن أبي فروة .

وأما التمسك بما في البخاري من قوله عليه الصلاة والسلام { ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أو شك أن يوقع ما استبان ، والمعاصي حمى الله تعالى } من يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه فإن معناه : أن من جهل حرمة شيء وحله فالورع أن يمسك عنه ، ومن جهل وجوب أمر وعدمه فلا يوجبه ، ومن جهل أوجب الحد أم لا وجب أن يقيمه ، ونحن نقول : إن الإرسال لا يقدح ، وإن الموقوف في هذا له حكم المرفوع [ ص: 249 ] لأن إسقاط الواجب بعد ثبوته بشبهة خلاف مقتضى العقل ، بل مقتضاه أن بعد تحقق الثبوت لا يرتفع بشبهة ، فحيث ذكره صحابي حمل على الرفع . وأيضا في إجماع فقهاء الأمصار على أن { الحدود تدرأ بالشبهات } كفاية ، ولذا قال بعض الفقهاء : هذا الحديث متفق عليه ، وأيضا تلقته الأمة بالقبول . وفي تتبع المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة ما يقطع في المسألة . فقد علمنا { أنه عليه الصلاة والسلام قال لماعز لعلك قبلت ، لعلك لمست ، لعلك غمزت } كل ذلك يلقنه أن يقول : نعم بعد إقراره بالزنا ، وليس لذلك فائدة إلا كونه إذا قالها ترك وإلا فلا فائدة . ولم يقل لمن اعترف عنده بدين لعله كان وديعة عندك فضاعت ونحوه ، وكذا قال للسارق الذي جيء به إليه { أسرقت ما إخاله سرق } وللغامدية نحو ذلك ، وكذا قال علي رضي الله عنه لشراحة على ما أسلفناه لعله وقع عليك وأنت نائمة ، لعله استكرهك ، لعل مولاك زوجك منه وأنت تكتمينه ، وتتبع مثله عن كل واحد يوجب طولا .

فالحاصل من هذا كله كون الحد يحتال في درئه بلا شك ، ومعلوم أن هذه الاستفسارات المفيدة لقصد الاحتيال للدرء كلها كانت بعد الثبوت ; لأنه كان بعد صريح الإقرار وبه الثبوت ، وهذا هو الحاصل من هذه الآثار ومن قوله { ادرءوا الحدود بالشبهات } فكان هذا المعنى مقطوعا بثبوته من جهة الشرع فكان الشك فيه شكا في ضروري فلا يلتفت إلى قائله ولا يعول عليه ، وإنما يقع الاختلاف أحيانا في بعض أهي شبهة صالحة للدرء أو لا بين الفقهاء .

إذا عرف هذا فنقول : الشبهة ما يثبت الثابت وليس بثابت ، ولا للفقهاء في تقسيمها وتسميتها اصطلاحات ; فالشافعية قالوا : الشبهة ثلاثة أقسام : في المحل ، والفاعل ، والجهة . أما الشبهة في المحل فوطء [ ص: 250 ] زوجته الحائض والصائمة والمحرمة وأمته قبل الاستبراء وجارية ولده ولا حد فيه ، ولو وطئ أمته المحرمة عليه برضاع أو نسب أو صهرية كأخته أو بنته منهما أو أمه من الرضاع أو موطوءة أبيه أو ابنه يجب الحد على الأظهر .

وأما الشبهة في الفاعل فمثل أن يجد امرأة على فراشه فيطأها ظانا أنها امرأته فلا حد ، وإذا ادعى أنه ظن ذلك صدق بيمينه . وأما الشبهة في الجهة قال الأصحاب كل جهة صححها بعض العلماء وأباح الوطء بها لا حد فيها ، وإن كان الواطئ يعتقد التحريم كالوطء في النكاح بلا ولي وبلا شهود . وأصحابنا قسموا الشبهة قسمين : شبهة في الفعل وتسمى شبهة اشتباه ، وشبهة مشابهة : أي شبهة في حق من اشتبه عليه دون من لم يشتبه عليه . وشبهة في المحل وتسمى شبهة حكمية وشبهة ملك : أي الثابت شبهة حكم الشرع بحل المحل ( قوله فالأولى تتحقق في حق من اشتبه عليه إلخ ) أي من اشتبه عليه الحل والحرمة ، ولا دليل في السمع يفيد الحل ، بل ظن غير الدليل دليلا كما يظن أن جارية زوجته تحل له لظنه أنه استخدام واستخدامها حلال له فلا بد من الظن ، وإلا فلا شبهة أصلا لفرض أن لا دليل أصلا لتثبت الشبهة في نفس الأمر ، فلو لم يكن ظنه الحل ثابتا لم تكن شبهة أصلا

( والثانية ) وهي الشبهة الحكمية ( تتحقق بقيام الدليل النافي للحرمة في ذاته ) كقوله عليه الصلاة والسلام : { أنت ومالك لأبيك } سواء ظن الحل أو علم الحرمة لأن الشبهة بثبوت الدليل قائمة في نفس الأمر علمها أحد أو لم يعلمها ( قوله والحد يسقط بكل منهما لإطلاق الحديث ) يعني قوله عليه الصلاة والسلام { ادرءوا الحدود بالشبهات } ، ( وقوله والنسب يثبت في الثاني ) أي في شبهة المحل ( إذا ادعى الولد ولا يثبت في الأول ، وإن ادعاه لأن الفعل تمحض زنا ) لفرض أن لا شبهة [ ص: 251 ] ملك إلا أن الحد سقط لظنه فضلا من الله وهو أمر راجع إليه : أي إلى الواطئ لا إلى المحل ، فكان المحل ليس فيه شبهة حل فلا يثبت نسب بهذا الوطء ، وكذا لا تثبت به عدة لأنه لا عدة من الزاني . قيل هذا غير مجرى على عمومه فإن المطلقة الثلاث يثبت النسب منها لأنه وطء في شبهة العقد فيكفي ذلك لإثبات النسب . وفي الإيضاح : المطلقة بعوض والمختلعة ينبغي أن تكون كالمطلقة ثلاثا . قال شارح : بل هو على ظاهره .

وثبوت نسب المبتوتة عن ثلاث أو خلع ليس باعتبار وطء في العدة بل باعتبار علوق سابق على الطلاق ، ولذا ذكروا أن نسب ولدها يثبت إلى أقل من سنتين ولا يثبت لتمام سنتين : يعني لأنه إذا كان لأقل من سنتين أمكن اعتبار العلوق قبل الطلاق ، بخلاف ما إذا كان لتمامهما ، وأنت علمت في باب ثبوت النسب أنها إذا جاءت به لتمام سنتين إنما لا يثبت نسبه إذا لم يدعه ، أما إذا ادعاه فإنه قد نص على أنه يثبت ويحمل على وطء في العدة بشبهة ، والكلام هاهنا مطلق في عدم ثبوت النسب معللا بأنه زنا محض ، فلا بد من الجمع بحمل أحد النصين على ما هو الأولى في النظر ، وذلك بما ذكرنا من شبهة العقد ، بخلاف باقي محال شبهة الاشتباه كجارية أبيه وأمه ونحوهما فإنه لا شبهة عقد فيهما فلا يثبت النسب بالدعوة فشبهة الفعل في ثمانية مواضع : أن يطأ جارية أبيه أو أمه وكذا جده وجدته ، وإن عليا أو زوجته ، أو المطلقة ثلاثا [ ص: 252 ] في العدة ، أو بائنا على مال ، وكذا المختلعة بخلاف البينونة بلا مال فهي من الحكمية ، أو أم ولده التي أعتقها وهي في عدته والعبد يطأ جارية مولاه ، والمرتهن يطأ المرهونة في رواية كتاب الحدود وهو الأصح ، والمستعير للرهن في هذا بمنزلة المرتهن ( ففي هذه المواضع لا حد إذا قال ظننت أنها تحل لي ، ولو قال علمت أنها حرام علي وجب الحد ) ولو ادعى أحدهما الظن والآخر لم يدع لا حد عليهما حتى يقرا جميعا بعلمهما الحرمة

لأن الشبهة إذا ثبتت في الفعل من أحد الجانبين تعدت إلى الآخر ضرورة .

والشبهة في المحل في ستة مواضع : جارية ابنه ، والمطلقة طلاقا بائنا بالكنايات ، والجارية المبيعة إذا وطئها البائع قبل تسليمها إلى المشتري ، والمجعولة مهرا إذا وطئها الزوج قبل تسليمها إلى الزوجة لأن الملك فيهما لم يستقر للزوجة والمشتري والمالك كان مسلطا على وطئها بتلك اليد مع الملك ، وملك اليد ثابت والملك الزائل مزلزل والمشتركة بين الواطئ وغيره ، والمرهونة إذا وطئها المرتهن في رواية كتاب الرهن وعلمت أنها ليست بالمختارة ( ففي هذه المواضع لا يجب الحد ، وإن قال : علمت أنها علي حرام ) [ ص: 253 ] لأن المانع هو الشبهة وهي هاهنا قائمة في نفس الحكم : أي الحرمة القائمة فيها شبهة أنها ليست بثابتة نظرا إلى دليل الحل على ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم { أنت ومالك لأبيك } ونحوه ، ولا اعتبار بمعرفته بالحرمة وعدمها . وفي الإيضاح في المرهونة إذا قال : ظننت أنها تحل لي ذكر في كتاب الرهن أنه لا يحد ، وفي كتاب الحدود يحد ، فلا يعتبر ظنه لأنه لا استيفاء من عينها بل من معناها ، فلم يكن الوطء حاصلا في محل الاستيفاء أصلا فلا شبهة فعل وصار كالغريم إذا وطئ جارية الميت .

وجه عامة الروايات أنه انعقد فيها سبب الملك في الحال ويصير مستوفيا ومالكا بالهلاك من وقت الرهن فصار كجارية اشتراها والخيار للبائع .

ووجه رواية كتاب الحدود أن عقد الرهن لا يفيد ملك المتعة بحال فهي كالمستأجرة للخدمة ، ومقتضاه أن يجب الحد ، وإن اشتبه إلا أن ملك العين في الجملة سبب لملك المتعة ، وإن لم يكن في الرهن سببا ، بخلاف الإجارة فإن الثابت بها ملك المنفعة ولا يمكن كونه سببا لملك المتعة وبخلاف البيع بالخيار فإنه يفيد الملك حال قيام الجارية ، بخلاف المرهونة لا يفيد الملك إلا مع هلاكها ، فلا يتصور كون ملكها سببا للاستمتاع بها فكان كملك المنفعة . هذا وقد دخل في سبب الملك صور مثل وطء جارية عبده المأذون والمديون ومكاتبه ووطء البائع الجارية المبيعة بعد القبض في البيع الفاسد والتي فيها الخيار للمشتري ، وينبغي أن يزاد جاريته التي هي أخته من الرضاع وجاريته قبل الاستبراء ، والاستقراء يفيدك غير ذلك أيضا كالزوجة التي حرمت بردتها أو بمطاوعتها لابنه أو جماعه أمها ثم جامعها وهو يعلم أنها عليه حرام فلا حد عليه ولا على قاذفه ; لأن بعض الأئمة لم يحرم به فاستحسن أن يدرأ بذلك الحد فالاقتصار على الستة لا فائدة فيه




الخدمات العلمية