الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          بين الله من بعد ذلك على لسان سليمان ما يرغب أمثالها من النساء؛ وهو أن الملك يملك من زخارف الحياة ما ليس عندها؛ وما يبهر؛ فقال: قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ؛ " الصرح " : القصر العالي المزخرف؛ ودخلت الصرح؛ فدخلت صحنه؛ وهو ممرد؛ أي: مملس ملمسه ناعم وله بريق بسبب تمريده؛ وإزالة كل خشونة فيه؛ حتى يحسبه الرائي - لتنسيقه - وكأنه لجة من الماء؛ فحسبته ماء في صحن الصرح؛ وخشيت على ثيابها المزخرفة؛ فرفعتها؛ وكشفت عن ساقيها؛ فنبهها سليمان إلى أنه ليس بماء؛ وإنما هو صرح ممرد من زجاج يبدو بادي الرأي كأنه لجة ماء؛ وما هو بماء؛ فقال لها: إنه صرح ممرد من قوارير؛ أي: من زجاج تكون منه القوارير؛ وهي جمع " قارورة " .

                                                          أدركت السيدة بلقيس؛ وهي تروعها الزخارف كما تروع كل النساء؛ فكرت في ماضيها؛ إذ كانت تعبد الشمس؛ وسليمان يعبد الله (تعالى)؛ وقد آتاه الله من النعم ما لا يمكن أن يكون لأحد غيره؛ فاهتزت؛ وعلمت أنها كانت على باطل؛ وأنها ظلمت نفسها بما كانت عليه؛ قالت: رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ؛ أقرت بأنها ظلمت نفسها بعبادتها الشمس؛ فالشرك [ ص: 5459 ] ظلم للنفس؛ وطمس للقلب؛ وأي طمس للعقل أكبر من أن يعبد الشمس؛ وهي مخلوقة لله (تعالى)؛ ويترك الخالق؛ وهو الله - سبحانه وتعالى - ونادت الله (تعالى) بلفظ الرب؛ إيمانا بالربوبية الكاملة؛ وأكدت ظلمها للنفس بـ " إن " ؛ الدالة على التأكيد؛ وجعل الظلم واقعا على نفسها؛ وإذا كانت قد علمت أن الشرك ظلم عظيم للنفس؛ فقد خلصت لله (تعالى)؛ ولذا قالت: وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ؛ أي: سلمت نفسي مع سليمان لله رب العالمين؛ وذكر معيتها مع سليمان; لأنه هو الذي دعاها وأرشدها؛ وذكر الله (تعالى) موصوفا بأنه رب العالمين؛ أي: الخالق القائم على العالمين بالتدبير الحكيم.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية